صدرت امس صحيفة كيهان الإيرانية التي تعبّر عن المحافطين في الجمهورية الإسلامية بالعنوان الرئيسي الآتي: "في اول خطاب له بعد وقف اطلاق النار... الشيخ نعيم قاسم: نحن في معركة "اولى البأس" أمام انتصار كبير يفوق انتصار تموز".
وما لم يسعف الأمين العام لـ"حزب الله" النطق به كي تستخدمه "كيهان" في رئيسيتها، تولاه عنه القائد العام لـ"حرس الثورة" الإيراني اللواء حسين سلامي.
ونقلت عنه صحيفة نظام الملالي تأكيده ان "حزب الله" أجبر "إسرائيل" على قبول وقف إطلاق النار وفرض شروطه عليها عبر هجمات قوية وإطلاق صواريخ على قلب "تل أبيب"، مؤكدا ان "إسرائيل" لن تنعم بالأمان في ظل وجود المقاومة. وللتوضيح ، أتت كل من كلمتيّ إسرائيل وتل ابيب ضمن مزدوجين من صحيفة "كيهان" نفسها.
ولم تقتصر النجدة على سلامي، الذي ساعد قاسم على البوح بمكنونات "الانتصار الكبير"، بل شملت أيضا سفير ايران في لبنان مجتبى اماني الذي صرّح قائلا "إن سبب اضطرار بنيامين نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار مع "حزب الله" هو أنه واجه عشرات الآلاف من النازحين من شمال فلسطين المحتلة والمقاومة اللبنانية أيضا نجحت في الأيام الأخيرة في ارساء معادلة تل أبيب مقابل بيروت".
وللتوضيح مجدداً، ان السفير الإيراني ادلى بـ"شهادته" هذه عشية مغادرته طهران عائداً الى بيروت التي غادرها في 17 أيلول الماضي عندما انفجر بيده جهاز المناداة "البيجر" فأصيب بيده التي تحمل الجهاز كما أصيب في أحد عينيّه، فكان اول من قامت ايران باجلائه الى ايران حيث خضع للعلاج.
يستشف من الاحتفال الإيراني بـ"النصر" الأخير الذي احرزه "حزب الله"، ان "النصر" قد صنع في ايران. ولن يمانع "الحزب" على الإطلاق بأن تقول ايران إنّها هي منشأ هذا الحدث. فقد ذهب قاسم في خطاب "الانتصار والتوفيق الإلهي" كما قال، الى توجيه الشكر الى "الجمهورية الإسلامية الإيرانية قيادة وشعباً وحرساً". وأسدى قاسم الشكر تحديداً الى "القائد الإمام الخامنئي دام ظله".
وللتوضيح أيضاً وأيضاً، انّ لائحة الأشخاص والجهات التي وجه قاسم الشكر لهم كانت طويلة فاظهر قدرته على تنظيم الدعوات الى المناسبات على اختلافها.
ماذا عن الأمين العام السابق لـ"الحزب" حسن نصرالله الذي اغتالته إسرائيل في 27 أيلول الماضي والذي يستعد "الحزب" لدفنه رسمياً ومعه أيضاً السيد هاشم صفي الدين الذي اغتالته إسرائيل بعد نصرالله؟
لو جرت محاولة للاستعانة بالذكاء الاصطناعي وقدرة هذا الذكاء على تكوين عالم افتراضي يحاكي العالم الواقعي لظهور نصرالله مجدداً على مسرح الاحداث. وانطلاقاً من كونه اميناً عاماً سابقاً لـ"الحزب" سنجده واقفاً مع حشد من عناصر هذا التنظيم رافعاً قبضته اليمنى ليهتف مع أقرانه قبالة الشاشة العملاقة التي أطلّ عبرها نعيم قاسم قائلاً بأعلى صوت: "لبّيك يا قاسم". تماماً كما كان الأخير يفعل في حياة نصرالله اذا كان من ضمن الجموع في المناسبات التي كان يطل خلالها عبر الشاشة الأمين العام السابق لـ"الحزب".
يقول لنا العالم الافتراضي أيضاً إن نصرالله الذي شغل الدنيا طوال 32 عاماً، تصرّف من منطلق ما كان يعلنه بنفسه في حياته من انه "جندي في جيش وليّ الفقيه". وها هو "وليّ الفقيه" عبر "كيهان" يمنح بركاته لخليفة نصرالله.
كيف يمكن فهم هذه "المعجزة" التي حولّت نتائج الحرب التي خرج منها لبنان يوم الأربعاء الماضي الى "انتصار كبير يفوق انتصار تموز"؟
يجيب قاسم: "انتصرنا لأننا منعنا العدو من تدمير "حزب الله"، انتصرنا لأننا منعناه من إنهاء المقاومة أو إضعافها ...".
شاع على نطاق واسع بعد حرب عام 2006، ان "الملائكة" شاركت في تلك الحرب الى جانب "حزب الله" ما أدى الى "الانتصار الإلهي". وهنا لا بد من الانتظار بعض الوقت كي تظهر وقائع الحرب الأخيرة، وهل كانت هناك ملائكة شاركت تحت اشراف الأمين العام الجديد ولكن باعداد اكبر من تلك التي شاركت تحت اشراف الأمين العام السابق ما أدى الى "انتصار" اكبر هذه الأيام من الانتصار الذي تحقق قبل 18 عاماً.
استمعنا الى نعيم قاسم يدلي بالمعطيات التي تبرهن حقيقة "الانتصار". وبسبب كثرة هذه المعطيات سنكتفي بواحدة فقط كي لا نفوّت البهجة على من صدّقوا "الانتصار الإلهي الجديد".
يقول قاسم: "خسائر إسرائيل كبيرة جدا، وحصل تهجير إضافي لهم، فبدل الـ70 ألفاً في الشمال أصبح هناك مئات الآلاف من الذين نزحوا من أماكنهم، وقتل من الجيش الإسرائيلي وجرح الكثير...".
ماذا حلّ بـ"مئات الآلاف" من النازحين في إسرائيل؟ بالطبع استأنف معظمهم حياته الطبيعية منذ الأربعاء الماضي عندما دخل اتفاق وقف النار حيز التنفيذ. اما ما تبقى من نازحين اسرائيليين والذين قال قاسم ان عددهم هو 70 ألفاً، فقد أطل موقع صحيفة "يديعوت احرونوت" الالكتروني بنبأ في يوم خطاب الأمين العام لـ"الحزب" مفاده بأنّ نازحي مستوطنات الشمال الذين تم إجلاؤهم في 1 شباط العام الماضي، سيعودون الى مساكنهم في اليوم نفسه العام المقبل أي بعد اكثر من شهرين تقريباً. وستكون عودة هؤلاء النازحين "بمنح بناء على حجم كل ااسرة. وستساعد الحكومة أيضاً في إعادة بناء وتنشيط المجتمعات المتضرّرة، وستموّل الدولة الإسكان للسكان النازحين حتى اكتمال إعادة الإعمار".
وماذا عن مقتل "الكثير من الجيش الإسرائيلي وجرح الكثير..."، كما قال قاسم؟ تجيب وكالة رويترز: "قال "حزب الله" إن ما يصل إلى 4000 مقاتل قتلوا في الحرب التي بدأها. وهذه الإحصائيات ذكرتها مصادر مقربة من الحركة وتتطابق تقريباً مع معلومات الجيش الإسرائيلي".
وفي المقابل بلغت خسائر إسرائيل "45 مدنياً و76 جندياً مقتل على الجبهة الشمالية".
من يستطيع ان يناقش قاسم المنتشي حاليا بـ"انتصار كبير يفوق انتصار تموز"؟ هناك شخص وحيد في العالم يستطيع ذلك هو نصرالله شخصياً. لو افترضنا ان الأخير عاد الى الحياة اليوم، فهو سيقول لخليفته معاتباً: "ولو يا شيخ نعيم، هل هذه هي المكافأة التي نلتها منك بأن تجرّدني من نصر تموز وهو آخر ما تركته في الدنيا"؟
في وسائل اعلام "حزب الله" أطلّ نعيم قاسم وفي الكادر صورة نصرالله ضاحكاً. لا نعلم لمن يضحك نصرالله، أو على من يضحك؟