أسفنديار مير

بعد 19 سنة على هجوم 11 أيلول ٢٠٠١ الإرهابي

"القاعدة" تسترجع قوّتها؟

12 أيلول 2020

المصدر: Foreign Affairs

02 : 01

بعد مرور 19 سنة على الهجوم الإرهابي في 11 أيلول 2001، هل يطرح تنظيم "القاعدة" حتى الآن تهديداً كبيراً على الأمن القومي الأميركي؟ ما من إجماع واسع حول هذا الموضوع بين الباحثين والمسؤولين العسكريين والاستخباريين وصانعي السياسة المتخصصين بدراسة هذا التنظيم. لكن لا يمكن أن يتجاهل معظم الخبراء في الحركات السلفية والجهادية "القاعدة" نهائياً. لهذا السبب، صُدِم الناس وشعروا بالقلق حين أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بكل ثقة أن قوة "القاعدة" أصبحت شبه معدومة، خلال مقابلة أجراها في آذار الماضي مع برنامج "فوكس أند فريندز".

من خلال تصوير "القاعدة" وكأنها مجرّد مصدر إزعاج بدل اعتبارها تهديداً حقيقياً، ساعد بومبيو إدارة الرئيس دونالد ترامب على تبرير قرار سحب القوات الأميركية من أفغانستان والتصالح مع حركة "طالبان". لكن للأسف، قد يصبح تقييم التهديدات بناءً على دوافع سياسية مبطّنة بالغ الخطورة ويعكس توصيف بومبيو لتنظيم "القاعدة" مجرّد أمنيات في أفضل الأحوال وسذاجة كبرى في أسوئها. يتعين على الولايات المتحدة أن تستبدل رؤيتها التفاؤلية المبالغ فيها بتقييم منطقي لمسار "القاعدة" وروابطها المستمرة مع "طالبان".


منافسة محتدمة مع "داعش"


أي تقييم دقيق للوضع التنظيمي في "القاعدة" يجب أن يأخذ في الاعتبار عودة التنظيم القوية في الفترة الأخيرة. منذ أربع سنوات فقط، كانت قيادة "القاعــدة" مدمّرة وتدهـــورت إمكاناتها لأقصى حد نتيجة الحملة الأميركية لمكافحـة الإرهاب في أفغانســتان وباكستان وســـــوريا واليمن. كما أنها تلقت ضربة موجعـة أخرى عند ظهور تنظيم "داعش": قرر حلفاء ومناصرون كانوا أوفياء لها في الماضي وشركاء في عملياتها في أفغانستان والعراق والفلبين والصومال وسوريا الانفصال عن "القاعدة"، وانضم عدد كبير منهم إلى خصمها الأساسي. وتزامناً مع تدفق مقاتلين غربيين وعناصر أجانب آخرين إلى تنظيم "داعش"، خسرت "القاعدة" مكانتها كأقوى جماعة جهادية في العالم. لكن بدءاً من العـام 2017، حين كان تركيز المجتمع الدولي محصوراً بتنظيم "داعش"، بذلت "القاعـدة" جهوداً شـاقة لعكس وضعها المتدهور، فحسّنت علاقاتها مع صانعي القرار المحليين في أماكن كثيرة، بدءاً من المشرق وصولاً إلى شبه القارة الهندية، ودمجت بين الأهداف الداخلية والعابرة للحدود في محاولة منها لتعزيز تماسكها وتوسيع القاعدة الداعمة لها. اليوم بدأت هذه الاستراتيجية تثبت منافعها، فقد نجحت "القاعدة" في إعادة تشكيل شبكتها في جنوب آسيا وسوريا وتبدو أكثر تماسكاً من السابق. كذلك، أصبحت أكثر قدرة على التوفيق بين الأهداف العابرة للحدود والأولويات الإقليمية، فهي تنشط على المستوى المحلي في الصومال وسوريا واليمن والساحل الإفريقي تزامناً مع متابعة التركيز على مواجهة الغرب.

ربما تكبدت "القاعدة" خسائر على مستوى عناصرها بعدما استولى "داعش" على أعداد كبيرة من المقاتلين في ساحات متنوعة ينشط فيها التنظيمان، لكنها تابعت مسارها بقيادة أيمن الظواهري وسعت إلى تعزيز علاقاتها مع مجندين محتملين وزادت تركيزها على المشاكل الضيقة في مناطق منتقاة تستفحل فيها الصراعات الأهلية. في القرن الإفريقي والساحل الإفريقي، نجح المقاتلون المرتبطون بتنظيم "القاعدة" في تقوية روابطهم مع القيادة المركزية للتنظيم وتابعوا التجاوب مع وجهتها الأساسية. كذلك، تبرز أدلة متزايدة مفادها أن "الامتيازات" التي تقدمها "القاعدة" بدأت تجذب المقاتلين الأجانب مجدداً.

لم تعد "القاعدة" تتمتع بالقدرة نفسها على وضع الخطط وتنفيذ اعتداءات إرهابية مبهرة وعابرة للحدود كتلك التي كانت تطلقها خلال السنوات التي سبقت هجوم 11 أيلول. لكنّ إصرار إدارة ترامب على انهيار "القاعدة" ووصولها إلى مراحلها الأخيرة يغفل عن قوة تحمّلها وعنادها ولا يأخذ في الاعتبار تصميمها السياسي. وفق الأمم المتحدة، يتابع أتباع "القاعدة" في سوريا واليمن حتى الآن التركيز على مهاجمة الولايات المتحدة (ولا تزال قوات مكافحة الإرهاب الأميركية تُركّز على استهدافهم). حتى أن التنظيم نجح في استهداف الولايات المتحدة على أراضيها: في كانون الأول 2019، قام طيار مرتبط بتنظيم "القاعدة" في سلاح الجو السعودي (كان قد حضر إلى الولايات المتحدة للمشاركة في تدريبات عسكرية) بإطلاق هجوم على قاعدة بحرية أميركية في "بنساكولا"، فلوريدا، ما يثبت التزام "القاعدة" بخوض لعبة طويلة تزامناً مع تسهيل وتوجيه الاعتداءات الإرهابية المباشرة على الأراضي الأميركية.





دعم مستمر من "طالبان"


عمدت القيادة المركزية في "القاعدة" إلى تقوية فروعها حول العالم ويبدو أنها تُركز أيضاً على الاستفادة من البيئة القابلة للاختراق في أفغانستان حيث تستطيع حركة "طالبان" الأفغانية، حليفتها القديمة، أن تكسب نفوذاً سياسياً في المراحل المقبلة. رحّبت "القاعدة" باتفاق الدوحة في شباط 2020 بين الحكومة الأميركية و"طالبان" واعتبرته "اعترافاً من العدو بهزيمته". يحتل الانسحاب الأميركي من أفغانستان أهمية خاصة في الحملة الدعائية الداعمة لتنظيم "القاعدة" باعتباره نقطة تحوّل في تاريخ الجهاد.

تظن إدارة ترامب من جهتها أن حركة "طالبان" الأفغانية ستتمسك باتفاق الدوحة وتقطع علاقاتها مع "القاعدة". لكن لم تتخلَ عنها "طالبان" علناً في أي مناسبة ولم تتخذ أي خطوة لافتة للحد من عمليات "القاعدة" أو أي منظمات إرهابية عابرة للحدود داخل أفغانستان. حتى أن ممثّلي "طالبان" تجنبوا ذكر "القاعدة" منذ عقد الاتفاق عند الضغط عليهم لتوضيح موقفهم من هذا التنظيم. لم يتبرأ قادة "طالبان" من مقاتلي "القاعدة" بأي شكل، حتى أنهم اعتبروهم في محادثاتهم غير الرسمية مع مجموعة الأزمات الدولية "منشقين مسلمين مظلومين طُردوا من بلدانهم بسبب قناعاتهم". ووفق الأمم المتحدة، وعدت "طالبان" الأفغانية "القاعدة" بمواصلة دعمها لـــها في أوساطها الخاصة.

رغم تعليقات بومبيو الأخيرة عن هذا الموضوع، لا تزال "القاعدة" تطرح تحديات كبرى على السياسة الخارجية الأميركية. لكن لطالما كانت المشاكل الداخلية كفيلة بكبح ردود واشنطن على المخاطر. لم تتردد الإدارة الأميركية الراهنة في تسييس طريقة تقييم جماعات مثل "القاعدة"، بهدف المبالغة في استعراض مكاسبها في مجال مكافحة الإرهاب وتحريف الأسئلة عن عملية الانسحاب من أفغانستان. في ظل توسّع المعارضة المحلية للالتزامات العسكرية المفتوحة، تتنامى المخاوف من أن يكون انسحاب أعداد كبيرة من القوات العسكرية عشوائياً ومحفوفاً بالمخاطر. لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة يجب ألا تنسحب من أفغانستان، بل يتعين على واشنطن أن تتعامل بشفافية إضافية مع التحديات التي تطرحها "القاعدة" وجماعات مماثلة.

يجب أن تكون الولايات المتحدة أكثر واقعية حول المسار السياسي الذي تتخذه حركة "طالبان". استناداً إلى الظروف السائدة في الأشهر القليلة الماضية، يبدو أن روابط "طالبان" مع "القاعدة" أعمق مما تعترف به الإدارة الأميركية ويجب أن تستعد الأوساط السياسية في أفغانستان مستقبلاً لاحتمال أن تتابع "طالبان" تسهيل عمل "القاعدة" بدرجة معينة. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمّل كلفة إبقاء أعداد كبيرة من الجنود هناك إلى أجل غير مسمّى، لذا يجب أن تجد طريقة لاستعمال مقاربة المكافآت والعقوبات للحد من دعم "طالبان" لتنظيم "القاعدة". يتطلب هذا التوجه جهوداً دبلوماسية متعددة الأطراف مع الحلفاء والخصوم معاً، لا سيما الدول الإقليمية التي تهتم حتى الآن بمنع أفغانستان من التحول إلى مصدر للإرهاب الدولي. يتساءل صانعو السياسة منذ وقتٍ طويل عن احتمال أن تبقى الولايات المتحدة هدفاً أولياً لجماعات إرهابية مثل "القاعدة" حتى لو تخلّت عن دورها المتفوّق في قيادة العالم. من الواضح أن الولايات المتحدة تحوّلت من أقوى قوة عالمية بلا منازع إلى بلدٍ يتخلى عن التزاماته ما وراء البحار، ويجد صعوبة في إدارة اضطراباته المحلية المتصاعدة على مستوى فيروس "كوفيد - 19" المستجد أو الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة ومظاهر العنصرية. في غضون ذلك، أصبحت الصين قوة ناشئة فرضت حضورها في كل مكان، لا سيما عبر "مبادرة الحزام والطريق" التي تُقرّب بكين من مناطق تخضع لسيطرة الجهاديين في آسيا الوسطى وجنوب آسيا. كذلك، أصبحت بكين جزءاً من الحملة الدعائية الجهادية بسبب سوء معاملتها لمسلمي الإيغور. ربما تشكّل الصين فرصة قيّمة لتنظيم "القاعدة"، لكن تُركّز قيادة الجماعة حتى الآن على متابعة المعركة ضد الولايات المتحدة.


MISS 3