أثارت سلسلة من الخطوات التي اتخذتها وكالة "الأونروا" في لبنان قلقاً متزايداً في الأوساط الفلسطينية، السياسية والشعبية، وسط مخاوف جدية من أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التخلي عن دورها ومسؤولياتها، وبالتالي التوطين، وذلك بالنظر إلى خلفياتها الحقيقية وتوقيتها في خضم الانشغال بتداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
أولى هذه الخطوات، عملية التحقق الرقمي للاجئين الفلسطينيين في لبنان التي أطلقتها "الأونروا" منذ أسابيع قليلة، تتطلب تعبئة استمارة إلكترونية والتقاط صورة مباشرة للشخص، تتضمن "بصمة الوجه والعين"، ما أثار مخاوف واسعة تتعلق بالخصوصية والهواجس الأمنية.
اللافت في إطلاق هذه العملية أن الأونروا مضت فيها على الرغم من الاعتراضات الفلسطينية، ما أدّى إلى توتر العلاقة بين القوى السياسية والشعبية الفلسطينية وإدارة "الأونروا"، لا سيما مع المديرة دوروثي كلاوس، حيث اتهمتها بعض الأوساط السياسية بمحاولة الالتفاف على الاعتراضات من خلال تأجيل العملية ثم تقسيمها إلى مراحل.
عملية التحقق الرقمي تأتي استكمالاً لخطوتين سابقتين للـ "أونروا". الأولى كانت موجّهة للمسجلين في شبكة الأمان الاجتماعي، والثانية للمستفيدين من المساعدات المالية، سواء من الأطفال دون سن 18 عاماً أو كبار السن فوق 60 عاماً، بالإضافة إلى تسجيل اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى لبنان.
تسليم مهام
الخطوة الثانية ما أبلغته الأونروا للقوى الفلسطينية بشأن عزمها (قبل انتهاء الحرب) تسليم مهام توزيع المساعدات للنازحين الفلسطينيين إلى اللجان الشعبية، بحجة نقص الكادر الوظيفي أو تعريض حياة موظفيها للخطر بسبب الأوضاع الأمنية، بما في ذلك المخيّمات. إلّا أن هذه الخطوة تحمل دلالات خطيرة، تشير إلى نية الوكالة التنصل تدريجياً من مسؤولياتها.
وتساءلت الأوساط الفلسطينية عن الازدواجية في مواقف المديرة العامة كلاوس، التي ترفض التعامل مع القوى السياسية الفلسطينية بحجة الحيادية، بينما تسعى الآن لإسناد مهام الأونروا إلى اللجان الشعبية، رغم أن هذه اللجان تمثل النسيج الاجتماعي والسياسي للشعب الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من القوى السياسية الفلسطينية.
تصفية "الأونروا"
وأكد عضو دائرة اللاجئين الفلسطينيين والأونروا، فؤاد عثمان، "أن التفكير في إسناد مهام الإحصاء وتوزيع المساعدات إلى اللجان الشعبية الفلسطينية في لبنان هو امتداد لمشروع التحقق الرقمي. ورغم أن الظاهر هو تسهيل إيصال المساعدات، إلّا أن الهدف الحقيقي يتمثل في تقليص أعداد اللاجئين وتحويل مهام "الأونروا" إلى جهات أخرى، في خطوة تهدف في جوهرها إلى تصفية دور الوكالة".
وشدّد عثمان على أن "الأونروا هي الجهة الوحيدة المخوّلة بإجراء أي إحصاء أو تقديم خدمات للاجئين والنازحين الفلسطينيين، ولا يمكن للجان الشعبية أن تحل مكانها نظراً لما تحمله هذه الخطوة من أهداف سياسية خطيرة". ودعا القيادة السياسية الفلسطينية الوطنية والإسلامية إلى رفض هذه الخطوة".