باريس - يعكس سقوط حكومة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه بسحب الثقة منها في تصويت البرلمان أمس، أزمة سياسية معقدة في فرنسا، تتمثل في عدم قدرة الحكومة على حشد غالبية برلمانية لتمرير موازنة العام 2025. ويرجع هذا الإخفاق إلى عدة عوامل رئيسية:
- وجد بارنييه، الذي يُمثل تحالفاً يمينيّاً وسطيّاً، نفسه في موقف ضعيف. فقد اتحدت المعارضة، المكوّنة من "التجمّع الوطني" واليسار (لا سيّما "فرنسا الأبية") وأحزاب أخرى، لتقديم اقتراح بحجب الثقة، منتقدة سياساته التي وُصفت بالمحافظة والتي تفتقر إلى تقديم التنازلات للأحزاب المعارضة في شأن مطالبها في قضايا اجتماعية وبيئية جوهرية.
- إن إقدام بارنييه على تمرير الإصلاحات المتعلّقة بالموازنة باستخدام المادة 49.3 من الدستور، التي تسمح للحكومة بتبني مشاريع قوانين من دون تصويت المجلس النيابي، أثار انتقادات شديدة. ورغم أنه إجراء دستوري، إلّا أنه يعكس فشل الحكومة في التفاوض مع أحزاب المعارضة. وقد زادت هذه الخطوة من شعور الجمهور والبرلمان بإصرار الحكومة على اتباع سياسة غير شعبية.
- تشرذم البرلمان: أدّى المشهد السياسي المجزأ إلى صعوبة التوصل إلى تسويات فعالة. المحاولات لتكوين تحالفات تشمل الأحزاب الاشتراكية والبيئية لم تكن كافية لتجنب سقوط الحكومة. وهذا يطرح تساؤلات حول الاستراتيجية المقبلة للرئيس إيمانويل ماكرون لتحقيق استقرار سياسي، بعدما أدّت الانتخابات النيابية المبكرة إلى إفراز برلمان لا غالبية مطلقة فيه لأي من الأحزاب الممثلة في هذا البرلمان.
- من هنا، فإن هذه التطوّرات تسلّط الضوء على أزمة مؤسّساتية أعمق، وتكشف حدود النظام الانتخابي الفرنسي في ظلّ تزايد الانقسامات السياسية، وتفتح المجال للنقاش حول إصلاحات ضرورية لتحقيق حوكمة أكثر شمولاً، وربّما لإعادة النظر في دستور الجمهورية الخامسة الذي وضعه الجنرال شارل ديغول في العام 1958.
على كلّ حال، ماكرون لا يرغب بإعادة تكليف بارنييه، وهو يبحث عن مخرج يُجنبه الضغوط التي بدأ تجمّع اليسار المنضوي تحت لواء "الجبهة الشعبية الجديدة" ممارستها لدفعه إلى الاستقالة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ويسعى ماكرون إلى إعادة الإمساك بخيوط اللعبة، خصوصاً أنه مضطرّ للتعايش مع البرلمان الحالي، لأن الدستور لا يُعطيه صلاحية حلّ هذا البرلمان قبل سنة على انتخابه على الأقلّ، أي حتى نهاية تموز المقبل.
قد لا تكون حكومة بارنييه وحدها حكومة موَقتة حان ذهابها، كما قالت زعيمة حزب "التجمّع الوطني" مارين لوبن. لكن هذا التشخيص يصحّ أيضاً على ماكرون الذي لا يحظى إلّا بتأييد أقلّ من 30 في المئة من الفرنسيين والموجود في السلطة منذ العام 2017، كما يرى خصومه وأكثرية الشعب الفرنسي.