راشيل علوان

كُرد سوريا والمستقبل المبهم

"قسد" محاصرة والحكم الذاتي مهدّد

ليس للكُرد من صديق سوى الجبال (رويترز)

تعصف رياح التغيير الجيوسياسي بخرائط المنطقة بشكل متسارع يصعب تصديقه أو استيعابه، من غزة إلى لبنان فسوريا التي شرّعت "الحرب المتجدّدة" فيها أبواب الفوضى وتشابك المصالح الإقليمية، وعادت دمشق لتشكل أرضاً خصبة لتكريس التغيّرات المتسارعة، أبرزها تراجع وتقويض النفوذ الإيراني وأذرعه.



وأمام هذا المشهد "الانقلابي" في سوريا مع عملية "ردع العدوان"، أكثر من سؤال يُطرح حول التغيّرات الآتية حتماً على الخارطة السورية، الأمر الذي يترك مصير الأقليات فيها وعلى رأسهم الكُرد في مهب الريح.



كُرد سوريا وتموضع "قسد"

"ليس للكُرد من صديق سوى الجبال"، هكذا يقول مثلٌ كُردي، بعدما خذلتهم جغرافيا وهبوا لها حياتهم، إذ حرمتهم معاهدة "سايكس بيكو" من دولة مستقلّة لهم فوزّعوا على أربع دول هي تركيا، إيران، العراق وسوريا. إلّا أنهم لم يتوقفوا عن مطاردة حلم إنشاء دولتهم، ومنذ ذلك الحين هم لم يحصدوا سوى الخيبات.



يُمثل الكُرد ما بين 7 و 10 في المئة من سكان سوريا، وتعرّضوا للكثير من القمع والحرمان من الحقوق الأساسية على أيدي النظام، إلّا أنهم خاضوا الحرب مرغمين تحت راية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) لحماية مناطقهم وسعياً إلى مكاسب مستقبلية تحقق لهم حلم الدولة.



وبدعم أميركي وروسي نجحوا في طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من مساحات شاسعة في شمال شرق سوريا على الحدود مع تركيا، حيث تحوّلوا من أقلية عانت التهميش إلى قوة عسكرية تصدّت للمتطرّفين وبنت إدارة ذاتية لها، الأمر الذي لم يُعجب أنقرة التي تعتبرهم تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وترفض قيام دولة كردية على حدودها.



واليوم مع تقدم "هيئة تحرير الشام" والفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا في المناطق السورية الشمالية، تقف "قسد" في موقف مرتبك لا تحسد عليه، فهي محاصرة من أكثر من جبهة. فمن جهة، هناك الحكومة السورية التي لم تكن في حال صدام فعلي مع "قسد"، لكنها ترفض حكم الكُرد الذاتي. ومن جهة أخرى، هناك التهديدات التركية وخطة طمس الهوية الكردية في شمال سوريا، فضلاً عن التوتر الذي يشوب العلاقة بين كُرد سوريا والمعارضة السورية.



لم يعُد الدعم والزخم الأميركيان للكُرد كالسابق، خصوصاً بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب عام 2019 سحب قوات أميركية من سوريا، كما لا يُمكن للكُرد التعويل على دعمٍ روسي مطلق، تحدّه علاقة موسكو بكلّ من تركيا ونظام الأسد.



استراتيجية جديدة ومستقبل غامض

أمام هذا المشهد المعقّد، يبدو أن كُرد سوريا مضطرّون لإعادة تقييم استراتيجيّتهم منعاً لإطاحتهم من المعادلة السورية، التي تعيش بلا شك مرحلة جديدة تتقاطع فيها المصالح الإقليمية والدولية. وبات واضحاً أن عملية "ردع العدوان" ذاهبة إلى أبعد من التخلّص من النفوذ الإيراني في المنطقة، أي نحو رسم نظام جديد في سوريا.



وبينما بدأ يطفو على السطح الحديث عن الفدرالية كحلّ للنزاع السوري، أو إدخال تعديلات على النظام تدمج كلّ القوى المعارضة وتبقي سوريا موحّدة، يصعب حاليّاً توقع ما ستؤول إليه الأمور في نزاعٍ لاعبوه الإقليميون كُثر، وأطماعهم وأهدافهم متشابكة. وبالتالي، لا يُمكن الجزم بمصير كُرد سوريا في المعادلة الجديدة.



لكن شواهد التاريخ كثيرة على أنه عندما توضع مصائر الشعوب على طاولة الكبار، يدفع الصغار الثمن، فهل يدفع الكُرد هذه المرّة أيضاً ثمن الجغرافيا التي لم تنصفهم؟