نجاح بو منصف

بوّابات وممرّات" افتتاحاً مع 30 فنّاناً لبنانياً

"نهاد السَّعيد للثقافة" يتجاوز ما لا يُعقَل!

"الثقافة أقوى من كل شيء"، بهذا الإيمان، تجرّأ جناح "نهاد السَّعيد للثقافة"، على فَتْح أبوابه متحدياً الحرب والصواريخ والدمار، ومطلقاً حدثاً ثقافياً كبيراً برسائله وأهدافه وتوقيته، في محاولة لـ "تجاوُز ما لا يُعقَل... وتنشيط الحياة والحوار في مساحة بقيت أسيرة الصمت على مرّ العقود الماضية"، وكانت محطته الأولى "بوّابات وممرّات: سفَرٌ عبر الواقع والخيال"، تسافر بنا إلى "نشيد حب"، إلى جنون فنون وإبداعات أكثر من 30 فناناً لبنانياً... فماذا بعد؟


أُريد لجناح "نهاد السَّعيد للثقافة" أن يكون امتداداً لمتحفنا الوطني، مساحة تضجّ بالحياة، "مضيئة ومصمّمة لنفخ الروح في مَعْلمٍ وطني بقي صامداً في وجه الحروب والدمار".


الجناح الجديد كان مقرراً إطلاقه رسمياً في 18 أيلول الفائت. عطّلت الحرب موعد افتتاحه، لكنها عجزت عن إلغائه. وعلى وقع أشرس جولاتها، كان الحدث الحلو المضيء، "نهاد السَّعيد للثقافة" يفتح أبوابه للجمهور موفِّراً "فسحة أمل لكلّ راغب في اكتشاف مساحاته المخصّصة للفن والثقافة"، هادفاً "لترسيخ مكانة المتحف الوطني، كأهمّ رمز للإرث اللبناني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً"، بحسب البيان الصحافي لإدارته.



من روح المتحف

بجدرانه الخارجية المبنيّة بالحجر الرملي، يتناغم الجناح الجديد وروح "المتحف الوطني" العريق. هو في الأساس مبادرة أطلقتها عام 2015 "المؤسسة الوطنيّة للتراث" لتأمين مداخيل تساهم في تمويل نفقات المتحف إزاء شحّ إمكانيات الدولة، وليطلق عليه اسم رجل الأعمال اللبناني الراحل نهاد السَّعيد، العاشق للفن، والشغوف بجمع الأعمال الفنية الذي رحل باكراً، وقد تكفّلت عائلة السَّعيد تمويله، إلاّ أنّ المؤسسة تمكنت من استقطاب مساهمات سخيّة إضافية من جهات مانحة.


استغرق إطلاقه وقتاً طويلاً، لكنه انطلق، عاكساً بهندسته الحديثة حرص "شركة رائد أبي اللمع" للهندسة المعمارية على احترام روح "المتحف الوطني" وعكس تطلعاته، مستوحية من أرشيفه وحكاياته، تصميماً توزع على ثلاث طبقات، اثنتان منها تحت الأرض لاستضافة المعارض والفعاليات الثقافية على تنوعها.



كافيتيريا لدعم المتحف

أما الطابق الأرضي من المبنى فهو قصة أخرى، هناك يتربّع مقهى "Pavilion café" مشكّلاً همزة الوصل بين المبنى الأساسي والجناح الجديد، يتمرجح بين عظمة "المتحف الوطني" التاريخية وإطلالته الرائعة على ميدان "سباق الخيل" وأشجار الصنوبر، فيما الهدف من إنشائه أولاً وآخراً، وكما في كل متاحف العالم، دعم المتحف مالياً، خاصةً وأنه جاهز لاستقبال كافة المناسبات، مقدِّماً بإشراف الشيف اللبناني الشهير حسين حديد، ابن شقيق المهندسة المعمارية الراحلة زها حديد، "ملاذاً يومياً من صخب المدينة في قلب بيروت، ووجبات شهية تناسب جميع المناسبات أكانت عملاً أو ترفيهاً، كما يوفّر لروّاده فرصة للاستراحة والاسترخاء من زحمة النهار".



جدار وتواقيع من الحرب الأهلية

في ذاك المقهى، سيُدهش رواده برؤية جدار قديم للمتحف تتوسّطه بوابة حديدية ضخمة، أُقيم لحماية موجوداته أيام الحرب الأهلية، ولا تزال الكتابات التي سطّرها مقاتلو الميليشيات الذين جعلوا من جدران المتحف متاريس لهم، صامدة، وقد حرصت شركة الهندسة على إبقاء هذا الجدار التاريخي وعزله بواجهات زجاجية، ليبقى ذكرى وعبرة من حروب بيروتنا الأليمة.


في ذاك الجناح الثقافي، التاريخ والحاضر يتشابكان، حيث يهدف وفق القيّمين عليه، إلى إقامة معارض موقّتة للفن الحديث والمعاصر وأخرى تعكس ثراء التراث اللبناني وتشمل "كل أشكاله التي لا تتسع لها مساحة المتحف المحدودة". كما سيفتح أبوابه "لأنشطة ثقافية واجتماعية من المؤتمرات والطاولات المستديرة وتوقيع الكتب" وغيرها "لدعم المتحف الوطني في بيروت مالياً".



رواد عبر "بوابات وممرات"

أول الغيث في "جناح نهاد السَّعيد للثقافة"، معرض فني جماعي حمل عنوان "بوّابات وممرّات، سفر عبر الواقع والخيال"، حيث اختارت إدارة الجناح أن تعهد إلى "متحف بيروت للفن – BEMA" تنظيم هذا الحدث الافتتاحي، المستمر لغاية 20 كانون الثاني المقبل، مشكِّلاً لقاء غير مسبوق بين مجموعة مختارة من لوحات مرمّمة ومنحوتات لفنانين لبنانيين رواد من أمثال سلوى روضة شقير وشفيق عبّود وميشال بصبوص من مجموعة "وزارة الثقافة"، وأعمال حديثة ومعاصرة مستعارة من الفنانين أو من مجموعات خاصة.


في طابقه الأرضي، يستقبلك تجهيز ضخم للفنان اللبناني الكبير ألفرِد طرزي، سمّاه "نشيد الحب"، ونزولاً إلى الطابقين السفليين، تنطلق رحلة "بوّابات وممرّات" تحت أربعة عناوين رئيسية يلتقي فيها الماضي بالمستقبل: "الذاكرة" بلوحة من توقيع سامية عسيران، "أساطير" بعمل لوجيه نحلة، و"الإدراك" بعمل لجورج غوف، وختاماً مع "الأرض" بعمل لجان خليفة، وما وراء هذه الأبواب الأربعة، تتخالط أعمال وإبداعات بتواقيع فنانين لبنانيين من أجيال ورؤى مختلفة، ليسدل ستارته مطلع العام المقبل، فيما يعدنا "نهاد السعيد للثقافة" بالكثير ما بعده...