لأنّ قطاع الفن والثقافة والمسرح يتأثرّ بالدرجة الاولى بالظروف السياسية في لبنان، انعكست الحرب على العديد من الأعمال المسرحية التي توقفت عروضها أو أرجئت خلال الأشهر الثلاثة الماضية. أما مسرحية "خيال صحرا" (كتابة وإخراج جورج خباز وبطولته إلى جانب عادل كرم، ومن إنتاج طارق كرم)، فاستطاعت تحقيق نجاح كبير عند انطلاق عروضها في شهر آب الماضي، بعروض كاملة العدد محقّقة أكثر من 26 ألف متفرج. وها هي اليوم تستعيد نبضها من جديد.
عودة "خيال صحرا" إلى مسرح "كازينو لبنان" في موسم الأعياد، تؤكّد أنّ المسرح فن لا ينطفئ، طالما هناك حكاية ينبغي أن تُروى. ومَن أجدر من الفنان جورج خباز ذي الباع الطويل في عالم المسرح، منذ عام 2004، أن يستقطب الجمهور في كلّ مرّة، ويخاطبه بفكر أبعد من الواقع، وصوت أصدق من أبواق السياسيين.
الليلة تشهد عودة العروض التي تستمر شهراً واحداً (حتى 19 كانون الثاني 2025)، والتي تختلط فيها الأحداث بين الدراما والكوميديا، متناولةً قصصاً من لبنان الأمس واليوم والمستقبل.
لا تمرّ مسرحيات جورج خباز من دون موسيقى من تأليفه، تعاون فيها مع لوكاس صقر في التوزيع. ولا ننسى شقيقته لورا خباز، مساعدة المخرج.
المسرحية تعكس في مضمونها المشهد السياسي والثقافي والوجودي في البلد، وتقدّم لمشاهديها جرعةً عاليةً من الكوميديا المسرحيّة المحمّلة بالهواجس الوطنية والرسائل الإنسانية.
عودة خبّاز
يقول الفنان جورج خباز لـ "نداء الوطن" إنّ العمل لم يتوقف في الصيف كما ظنّ البعض، بل استمرّ رغم التحديات طيلة شهر آب وحتى الأول من ايلول، وكان من المقرّر آنذاك عرضها مجدّداً في فترة الأعياد.
يتحدّث خبّاز بفرح عن العودة إلى المسرح بعد 4 سنوات من التوقف عن تقديم الأعمال المسرحية. ولا يُخفي شعوره برهبة العودة بعد انقطاع طويل عن المشاهدين، فـ "المسرحية مختلفة إلى حدّ ما. من حيث الشكل قدّمت فيها أسلوباً جديداً والناس أُعجبت بها كثيراً".
كيمياء الثنائي
جمهور خباز يعرف جيّداً أنه على موعد مع عمل دسم، يتضمن فكراً ورؤيةً وثقافةً وإنسانيةً وموسيقى وكوميديا.
"المسرحية تتناول حقبة السبعينيّات في لبنان، وهي تصلح لكلّ المراحل وتتنبأ بكلّ الأحداث التي حصلت مؤخراً أو ستحصل في ما بعد"، يقول خبّاز. وحول إمكانية تعديل النص المسرحيّ بعد الأوضاع التي مرّ بها لبنان، يعلق خبّاز بالإشارة إلى أنّ "التاريخ يعيد نفسه في لبنان، ولا حاجة لأن أضيف أي شيء على المسرحية، فهي صالحة لكل زمان ومكان".
يشكّل جورج خبّاز مع زميله عادل كرم، ثنائيّةً جديدة نابضة في عالم المسرح. فقد نجحا في استقطاب الجمهور عرضاً تلو الآخر. ويكشف خبّاز عن الكيمياء بينه وبين الممثل عادل كرم، والتي ظهرت واضحةً على المسرح أمام الجمهور في العروض السابقة، وفي التلفزيون أيضاً من خلال مسلسل "براندو الشرق"، كما في السينما من خلال فيلم "أصحاب ولا أعز". ومنذ ذلك الحين تعزّزت صداقتهما، مضيفاً: "أدركت أنّ عادل كرم لم يحصل بعد على دوره الحقيقي في المسرح، إذ حصر نفسه سابقاً في إطار الشانسونييه".
أضاف خبّاز: "كنت أعلم أنّ لدى عادل كرم موهبة لم يكتشفها بعد، فأعدتُ كتابة هذه المسرحية على هذا الأساس، لتناسب هاتين الشخصيّتين. وقد كان متعاوناً جداً ورائعاً كممثّل يتلقى التعليمات ليظهر على المسرح بتألّق".
روح وهويّة
يضع جورج خبّاز روحه وهويّته في هذا العمل، بين الكوميديا والكوميديا السوداء. أمّا في الشكل، فيستخدم ديكوراً مختلفاً. ويعتبر أنّ "هذا الأسلوب الجديد يؤسس لنوع جديد في الشكل واستمرارية المضمون".
نطمع أن نعرف أكثر عن مضمون المسرحية، فيقول: "لا أريد كشف عناصر المفاجأة للّذين لم يشاهدوا العمل بعد، لكنّه موجّه ضدّ الحرب بكل أشكالها وأنواعها، وخاصةً بين أبناء الوطن الواحد". ويضيف: "نعد اللبنانيين بساعة ونصف من الفن والفرح والعودة إلى الذات والتفكير بمستقبل أفضل".
عادل سعيد
من جهته، عبّر الممثل عادل كرم عن حبّه للمسرح والتواصل المباشر مع الجمهور، مشيراً في حديث مع "نداء الوطن" إلى أنه سعيد جدّاً بالتجربة في "خيال صحرا"، التي يعتبرها بالنسبة له فريدة جدّاً، خصوصاً لجهة التفاعل الكبير للناس مع العروض، ما "جعلني أُغرم أكثر بالعمل، وذلك أثبت لي أنّ عليّ تكثيف الأعمال في هذا المجال".
وعن التعامل مع شريكه في المسرحية جورج خباز، قال كرم: "تعلّمتُ الكثير من تجربتي معه، ككاتب وكمخرج. فمنذ قراءتي الأولى للنّص علمت أنه سيصل إلى هذه النتيجة". يضيف كرم: "ثقتي عمياء بجورج في الكتابة. لاحظت التوازن فيها بالحوارات بيننا كشخصيتين، وقد أعطى الشخصيّتيْن حقّهما كاملاً، وأكثر من ذلك، جعلني أغوص في التدريبات والتمارين أكثر فأكثر".
المنتج المندفع
فكرة المسرحيّة التي خرج بها جورج خباز عام 2020، نالت الترحيب من المنتج طارق كرم، الذي لم يبخل على الإنتاج والدعاية بشيء. "أغمضتُ عينيّ وتبنيت العمل"، يقول طارق كرم لـ "نداء الوطن"، ويضيف: "لم نتوقع أن نتمكّن من افتتاح عروض أخرى في شهر العيد، بسبب الحرب، بالإضافة إلى كون مسرح "كازينو لبنان" يتّسع لألف شخص في كل ليلة. لكن حتى شهر أيلول، بيعت التذاكر لأكثر من 6 آلاف شخص، ولم يستردّها أحد من أصحاب الحجوزات، منتظرين ما سيحدث في الأيام اللاحقة".
ويضيف كرم: "أدعو الجميع للحجز باكراً لأنّ البطاقات ستنفد مع عودة المغتربين لتمضية الأعياد في لبنان، وبعد الإقبال الكثيف الذي شهدناه في شهر آب"، متمنّياً على الجمهور دعم المسرح اللبناني.
مشاريع مقبلة أخرى
بعد النجاح الذي حقّقته "خيال صحرا"، يؤكد المنتج طارق كرم أنّ "هناك مشروعاً كبيراً سيجمعه مع جورج خباز في السنوات المقبلة، محوره "مسرح جورج خباز " مع شركة "Pipeline" وكلّ من نايلة خوري وروي خوري".
ويبقى المسرح وسيلة للتواصل مع الجمهور في لبنان، طالما هناك صنّاع مسرحيون محترفون يستطيعون جمع عناصر النجاح على خشبة واحدة، وطالما أنّ الجمهور عَطِش للمسرح ولأعمال على مستوى عالٍ يليق بعين المتفرّج اللبناني الذواق. و "خيال صحرا" عمل لبناني بحت مكتمل العناصر، نفتخر به وبصُنّاعه، على أمل أن تحظى عروض الكانونيْن، الأول والثاني، بالنجاح الذي عرفته المسرحيّة الصيف الماضي.