مايا الخوري

ارتدادات نفسية شائعة للتغرّب

الجالية اللبنانية شبكة دعم قوية حتى التأقلم

من المنطقي أن يتأقلم اللبناني مع فكرة الهجرة سواء المرحلية أم النهائية؛ فهي بالنسبة إليه وليدة طبيعية للأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية المتقلّبة في بلاده منذ نشأته.

نسبة مئوية مقلقة تؤيّد هذه الفكرة بحثاً عن تعليم تخصصي أو مهنة أو مستقبل بعيداً من الفساد والحروب. لكن تنتج عن الهجرة، في كل أحوالها، ارتدادات نفسية تواكب المرحلة الأولى من الانتقال إلى الوطن البديل.


تختلف الهجرة في السياق اللبناني عن الهجرة بشكل عام، لأنها هنا، وليدة تحدّيات نفسية نتيجة أوضاع معيّنة تمرّ بها البلاد ولا تزال، كالأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية الصعبة. وتترافق قرارات الهجرة مع تحديات نفسية أهمها "مشاعر الحزن والفقدان، والخوف من المجهول، والقلق من التغيير، والشعور بالذنب تجاه الأحبّة الذين سنتركهم، والقلق من تغيير الروتين اليومي الذي اعتدناه والذي يُشعرنا بالأمان وقد أصبح يشكّل مصدر تهديد لنا".


وتضيف المعالجة النفسية شارلوت خليل أنّه: "ثمة من يختبر صدمة نفسية في هجرته، تنعكس في العزلة الاجتماعية والاكتئاب وهما من أكثر الارتدادات النفسية الشائعة، خصوصاً إذا لم يسبق الهجرة تحضير نفسي ومتابعة تدريجية لهذه الخطوة بهدف التأقلم، وتطوير آليات لتخطي هذه المرحلة والاندماج بالمجتمع الجديد".


وردّاً عن سؤال حول الاستعدادات التي يتوجّب على الفرد القيام بها لتقبّل هذه الفكرة، تقول خليل: "يجب أن يتحضّر الفرد للتغييرات الاجتماعية والثقافية، وتعزيز قدرته على التكيّف من خلال الاطلاع على المحيط الذي ينتقل إليه، وإتقان اللغة أو التمرّس فيها أكثر، وابتكار شبكات دعم في المجتمع الجديد، من خلال التواصل مع اللبنانيين المغتربين الذين يلتقون عادة في المناسبات الاجتماعية وفي النشاطات التي تنظّمها الجالية اللبنانية في الأماكن الدينية". وتفسح أماكن اللقاء هذه المجال أمام تعارف المغتربين وخلق شبكة دعم قويّة تساعد المغترب الجديد على مواجهة التحديات في البلد المنتقل إليه.


وتشير خليل إلى أن لدوافع الهجرة تأثيراً كبيراً في مدى تقبّل الفرد لها، موضحة أن الهجرة الاضطرارية التي تُفرض على شخص ما أصعب من تلك التي تأتي في سبيل التخصص أو العمل، والتي تكون بناء على قرار شخصي يتّخذه الفرد. وتعتبر أن ثمة صعوبة عاطفية كبيرة في الهجرة الفرديّة لأن المغترب يشعر في خلالها بالوحدة، فيما توّفر الهجرة العائلية شبكة دعم متبادلة بين الأفراد، فتساعد على التأقلم السريع وإن كانت تحدياتها أصعب ومختلفة عن الهجرة الفرديّة.


من جهة أخرى، تتأثر هجرة الفرد وفق مهنته وإمكاناته وموارده التي يتميّز بها، والتي من الممكن أن تحميه من التحديات السلبية في بلد الاغتراب. مع الأخذ في الاعتبار أن هجرة الأعزب المتفلّت من أي التزامات مهنية وعائلية والساعي لتأسيس مستقبله في الخارج بعد إنهاء تخصصه الجامعي، تختلف عن هجرة المتزوّج الذي أسسّ ركائز هنا ولديه التزامات خاصة تجاه عمله وعائلته، ورغم ذلك مضطر إلى التخلي عن كل شيء والانتقال إلى الخارج للتأسيس مجدداً.


أما بالنسبة إلى هجرة الأطفال، فتختلف مشاعرهم وفق سنّهم، لكنهم يحتاجون إلى دعم خاص للتأقلم، وفهم التغيير، والانفصال عن أصدقائهم، وتعلّم كيفية الاندماج مع البيئة الجديدة. "من هنا ضرورة التعاون بين الأهل والمدرسة الجديدة لتوضيح الصورة بهدف حصولهم على عناية مركّزة أكثر وتوفير الدعم الكافي لهم للتعبير عن مشاعرهم وطرح الأسئلة وطمأنتهم".


وعن العوارض التي من الممكن أن يشعر بها المهاجر تقول: "تختلف حدّة الهجرة بين شخص وآخر وفق الظروف الخاصة والعامة المحيطة به، ومن أكثر العوارض: الإرهاق والقلق والشعور بالغربة والصعوبة في النوم والأكل. وقد تستمرّ هذه العوارض لفترات مختلفة لتخفّ تدريجاً، بحسب تكيّف الشخص مع البيئة الجديدة".



صحة المهاجر النفسية


هل يحتاج المهاجر إلى مرافقة من قبل اختصاصي نفسي في المرحلة الأولى من هجرته؟

تجيب: "ثمة من يمتلك الإمكانات النفسية والموارد الكافية لتخطي هذا التغيير. ومن المهم أن يعي المهاجر مشاعره المختلفة التي قد يمرّ بها، فإذا شعر هو أو محيطه بأن العوارض المذكورة قد طالت، فيجب أن يطلب استشارة اختصاصي لمساعدته على تخطي هذه المرحلة".