هدى علاء الدين

لبنان في قبضة المعطّل

16 أيلول 2020

19 : 41


تشتد وتيرة الخناق الاقتصادي والمالي يوماً بعد يوم مع انسداد أفق الحلول السياسية، إذ يستعد لبنان لاستقبال أسابيع مليئة بالتحديات الاقتصادية والألغام السياسية تجعله أمام سيناريوهات متعددة أخطرها تلك المتعلقة بفشل المبادرة الفرنسية وبالتالي عدم تشكيل حكومة جديدة يعوّل عليها داخلياً وخارجياً كفرصة أخيرة للبدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة من أجل الحصول على الدعم الدولي اللازم لمعالجة المعضلة الاقتصادية التي تفتك به. فقد شهدت الأيام الأخيرة شد حبال سياسي على حساب الوضع الاقتصادي المتردي، وكأن الأولوية اليوم باتت تنحصر فقط في تحقيق مكاسب وزارية لم تُشبع بعد أصحابها الذين يتغافلون عن أهمية إجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي تسهم في تدفق المساعدات المالية من المجتمع الدولي والدول المانحة وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية وعودة تدفق تحويلات المغتربين والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذي متكامل.

رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب والذي اكتفى بالقول بعد لقائه رئيس الجمهورية "إن شاء الله خيراً"، يدرك أن الوضع السياسي والاقتصادي ليس بخير، وأن مهمته المستحيلة بالتشكيل من أجل الإصلاح محفوفة بالمخاطر والعقبات والعراقيل. فالإصلاحات السياسية التي تبدأ بتشكيل حكومة مستقلة تسير على طريق شائك في ظل تعنت مقصود لغاية في نفس يعقوب، لا سيما أن الوعود التي قطعتها الأحزاب السياسية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تلاشت أمام المصالح الخاصة وضربات العقوبات الأميركية. أما الإصلاحات الاقتصادية واستعادة الثقة الدولية، فلن تكون حتماً ناجعة عبر تشكيل حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن حكومة حسان دياب.

فعلى وقع خسائر انفجار المرفأ البالغة قيمتها بين الـ 5-10 مليار دولار، وفي ظل استنزاف مستمر لاحتياطي المصرف المركزي من العملة الاجنبية الصعبة وما يرافقه من خطر إلغاء الدعم عن استيراد القمح والدواء والمحروقات بحوالي 700 مليون دولار شهرياً، ومع ما يرافق ذلك من تراجع الثقة بالعملة الوطنية التي فقدت أكثر من 80% من قيمتها، وتدن ملحوظ في قيمة الأجور الحقيقية وارتفاع عدد الفقراء وتآكل الطبقة الوسطى وزيادة معدل البطالة إلى 55% وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بين 20- 25% وعجز حاد في الموازنة العامة يفوق الـ 11% وارتفاع في معدلات التضخم فاقت كل التوقعات وشلل معظم القطاعات الحيوية بسبب جائحة كورونا، يحتاج لبنان إلى حكومة استثنائية توقف الانهيار الاقتصادي والمالي عبر قرارات جريئة تعيد ثقة المجتمع الدولي والعربي وتحسن العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وتعمل مع صندوق النقد الدولي على أسس إصلاحية تبدأ بوقف الهدر والفساد في قطاع الكهرباء وتقليص حجم القطاع العام وإلغاء المحسوبية والتوظيف العشوائي ومراقبة الحدود وضبط المعابر الغير شرعية. هذا فضلاً عن إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي وإعادة هيكلة الدين العام وإجراء صلاحات جذرية في المالية العامة وتخفيض عجز الموازنة والعمل على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وضبط تفلت الأسعار واستعادة القدرة الشرائية للبنانيين الذين يعانون من فقدان الأمن الغذائي والاجتماعي، دون إغفال إعادة إعمار ما خلفه انفجار المرفأ الكارثي.

لكن الرياح في لبنان لا تجري دائماً بما تشتهي السفن، فبعدما توحدت المصالح السياسية الضيقة من جديد وتلاشت الوعود الممنوحة، وفي ظل خسائر بالجملة والمفرق ومؤشرات مرعبة تسيطر على المشهد الاقتصادي وأرقام مالية تنذر بما هو أسوأ قادم، يبقى من يعرقل اليوم تشكيل الحكومة بحجة الميثاقية وتشريع ما هو باطل المسؤول بالدرجة الأولى عن تسارع إيقاع الانهيار وتفاقم حالة الفوضى الاقتصادية والاجتماعية التي لن ينجح أحد في ضبطها أو لجمها لاحقاً. فالمواجهة على أوجها وتحمل في طياتها رسائل سياسية قوية تفوق في العمق ما هو ظاهر منها، وما بين شروط التكليف وشروط التأليف المضادة يبقى تأخير ولادة الحكومة الأخطر على لبنان منذ عقود.

فهل ستنجح المبادرة الفرنسية عبر تشكيل حكومة جديدة من رسم سيناريو جديد يضع لبنان على سكة الإصلاح الحقيقي والنهوض الاقتصادي، أم أن التعطيل هو السيناريو الأوحد الذي يتمسك به سيناريست الانهيار التام الذي أصبح مهموماً بمواجهة الضغوطات الدولية ومتمرساً في إهدار الوقت بعيداً عن التكاتف من أجل الإنقاذ وإيجاد الحلول.