الأزرق يغيب عن نهر الدانوب!

02 : 00

على مقربة من الوسط التاريخي للعاصمة الصربية بلغراد، يتقدّم صهريج نحو ضفة الدانوب بعدما فُتِحَ أمامه الحاجز لتمكينه من المرور، وفي مياه النهر العظيم، يُفرغ حمولته من المياه المبتذلة.

ليس في الأمر عملية سرّية ما، لكنه بالأحرى أمر لا يرغب أحد في التحدث عنه. فبلغراد، في الواقع، هي العاصمة الأوروبية الوحيدة التي تتخلص من مياهها الآسنة من دون تكرير في ثاني أطول أنهر القارة.

تفوح رائحة مقززة من هذا السائل البنيّ المليء بالغائط والذي يختلط بمياه النهر. وبسبب الملوثات من هذا النوع، لم يعد النهر يستحق تسمية "الدانوب الازرق" التي اتخذها يوهان شتراوس عنواناً لمقطوعته الموسيقية الشهيرة، إذ بات لونه الفعلي بعيداً جداً من ذاك الذي تغنى به المؤلف النمسوي في لحنه.

ويشكّل إفراغ مياه الصرف الصحي يومياً عملاً "كارثياً" بالنسبة إلى صيادين يعتاشون من الدانوب ورافده نهر سافا اللذين يرسم التقاؤهما عند ضفة قلعة بلغراد القديمة مشهداً رائعاً.

لا تتصل بيوت نحو ثلث سكان بلغراد بشبكة الصرف الصحي، بل يعتمدون على الحفر الصحية التي يرمى محتواها مباشرة في الأنهر.

وكذلك تصبّ في المكان نفسه مياه الصرف الصحي لأولئك المتصلين بالشبكة، وعبر مئات الأقنية والأنابيب.

وتقدّر وزيرة البنى التحتية الصربية زورانا ميخايلوفيتش كمية المياه الآسنة التي تفرغ كل سنة في مجاري بلغراد المائية بنحو 190 مليون متر مكعّب، ما يعادل سعة 60 ألف مسبح أولمبي.

ويقول نائب رئيس بلدية بلغراد غوران قيسيتش إن "أي مدينة كبرى أخرى في أوروبا لا تقترف مثل هذه الجريمة ضد أنهرها"، مطالباً بمنظومة حقيقية لمعالجة المياه المبتذلة.

وفي العام 2019، حذّر علماء نمسويون من بلوغ البكتيريا القولونية البرازية مستويات "خطرة" في الجزء الصربي من الدانوب، وهو ما يؤشر بحسب الخبراء المحليين إلى تلوث عضوي قوي.

ويوضح أيغور يزديميروفيتش من منظمة "إنفيرونمنت إنجينيرينغ" غير الحكومية أن هذه الجرثومة يمكن أن تؤدي، في حال استهلاكها، إلى التهابات في البول أو إلى التهابات رئوية. ونظراً إلى قوته وضخامته، يستطيع الدانوب أن "ينظف نفسه" بصورة جيدة نسبياً من المخلفات العضوية. ويشرح أستاذ الكيمياء بوزو دالماسيا الذي يدير دراسات عن جودة المياه في صربيا أن الجسيمات الجرثومية لا تبلغ في معظم فترات السنة المستوى الخطر وهو 500 ميكروغرام في الميلليلتر الواحد.

لكن أولئك الذين أمضوا حياتهم على الدانوب يؤكدون أنهم لاحظوا تدهوراً في مياهه، وتراكماً لمواد تقلّص عمق النهر.

ولا تتوافر دراسات علمية كثيرة عن الموضوع، لكنّ الصيادين يشيرون إلى تغيير في تنوّع الأسماك، إذ تناقصت أنواع كانت تعتبر أسماكاً راقية، وزادت أخرى تتغذى من المخلفات العضوية.

وتأمل صربيا في قبول ترشيحها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي قبل سنة 2025، لكنّ سجلّها البيئي يشكل عائقاً أمام هذا المشروع، إذ تحتاج إلى استثمارات بقيمة نحو خمسة مليارات يورو لإقامة بنى تحتية تراعي البيئة أكثر من تلك الموجودة راهناً.

وفي كانون الثاني، وقعت سلطات بلغراد اتفاقاً مع "تشاينا ماشينري إنجينيرينغ كوربوريشن" الصينية للبدء بإنشاء معمل لمعالجة المياه، لكن العمل لم ينطلق بعد، إذ لم تخصص صربيا حتى الآن الاعتمادات المالية اللازمة للمشروع.


MISS 3