أثارت حادثة دخول طائرة "Mahan Air" الإيرانية إلى الأراضي اللبنانية جدلاً واسعاً، خصوصاً بعد ورود معلومات تُفيد بأنها محمّلة بأموال إيرانية مرسلة إلى "حزب الله". القرار الذي اتخذته الأجهزة الأمنية في مطار بيروت الدولي بتفتيش الطائرة بشكل دقيق منعاً لإدخال أي أموال غير شرعية لـ "الحزب" كان شرارة أشعلت احتجاجات غاضبة في الشارع الشيعي.
تظاهرات ورايات حزبية: استعراض بلا جدوى!
ليلاً، توافدت مواكب تحمل رايات "حزب الله" باتجاه المطار، في محاولة لإثارة الضغط ومنع تنفيذ القرار الأمني. هذا المشهد ليس جديداً؛ إذ يعكس جرأة "الحزب" وأنصاره على تحدي سلطة الدولة، وهو ما يُظهر استمرار اعتقادهم بأنهم قادرون على فرض شروطهم بالرغم من التغييرات الجذرية التي أصابتهم.
"الحزب" الذي تكبّد خسائر فادحة في الحرب التي أَقحم فيها لبنان "دفاعاً عن غزة"، والتي ألحقت أضراراً جسيمة بالوطن وبـ"الحزب" على حدّ سواء، كانت أبرز خسائره مقتل أمينه العام السابق حسن نصرالله بالإضافة إلى أبرز قيادييه واستسلام الحزب لإسرائيل بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على بسط سلطة الدولة اللبنانية في الجنوب وحصر السلاح بيد الشرعية. ورغم ذلك، يُصرّ "الحزب" على التشبّث بممارساته القديمة، متناسياً أن "أيام الماضي قد ولّت" وأن الوقت قد حان لفرض سلطة الدولة.
التصعيد الإلكتروني: حملات ممنهجة
بالتزامن مع التحركات على الأرض، أطلق أنصار "حزب الله" حملة ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي لتخوين الجيش اللبناني ورئيس جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري، متّهمينه بالعمالة لصالح الولايات المتحدة. هذا الاتهام يأتي من بيئة سبق لنا أن شهدنا منها تسليم أهم قادة وشخصيات فيها من قبل عملاء إلى إسرائيل، في تناقض صارخ مع ادعاءاتهم الوطنية.
صباح الخير عميل سفارة عوكر #مطار_بيروت pic.twitter.com/TtzxDYVH8s
— الجنوبي (@ALDAY3AWI) January 3, 2025
كما عمد أنصار "الحزب" إلى بث الرعب بين المواطنين عبر تغريدات وتصريحات تتحدث عن استمرار المقاومة وقدرتها على فرض شروطها، بالإضافة إلى تلويح بإعادة مشهدية 7 أيار من جديد ومتجاهلين التغييرات الكبرى التي طرأت على ميزان القوى داخلياً وخارجياً. هذه الاستراتيجية تفضح حالة الإرباك التي يعيشها "الحزب"، في محاولة لإعادة تثبيت نفوذه الذي بدأ يتآكل.
قريباً
— Ibrahim Majed (@ibrahimtmajed) January 2, 2025
٧ ايار part 2#لبنان
في مقابل ذلك، شهدت أيضاً مواقع التواصل دعماً كبيراً من قبل عدد كبير من اللبنانيين للخطوة التي وصفوها بالـ "جريئة" من الجيش، كما أشاد البعض بقرارات العميد كفوري التي أثبتت عزم الجيش على فرض سلطة الدولة.
الي مش عاجبوا تطبيق القانون في مطار رفيق الحريري خليه يظل مطرح ما هو ما يجي على #لبنان أو يسافر من طهران...
— Fadi Ghosn...? (@Ghosn_Fadi1) January 3, 2025
وجهوا كلمة لهذا المغوار في الجيش اللبناني الذي يطبق القانون على الجميع... #فادي_كفوري pic.twitter.com/n6KhlkHD7I
إيلي محفوض: رسائل حاسمة
وتعليقاً على هذه الأحداث، عبّر رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض عن استيائه من المشهد، قائلاً: "كنت أتمنى على الشباب الذين تظاهروا دعماً لإيران أن يتظاهروا ضد من اغتال حسن نصرالله. هذه الحماسة لدولة أجنبية تُثير تساؤلات حول هوية هذه الجماعة التي يبدو أن لبنان ليس ضمن أولوياتها".
وأضاف محفوض: "العقوبات الدولية المفروضة على إيران تجعل أي محاولات لدعمها غير مجدية. على هؤلاء الشباب أن يدركوا أن رفع الأعلام والتظاهر "لا بقدّم ولا بأخّر"، وأن مشكلتهم الأساسية هي مع قيادتهم التي زجّت بهم في معارك خاسرة".
وأشار محفوض إلى أن الجيش اللبناني يقوم بواجبه الوطني بحماية البلاد، قائلًا: "الدولة اللبنانية بدأت تُعيد فرض سلطتها، ومظاهر الفلتان التي يحاول "الحزب" تكريسها لن تستمر. الأجهزة الأمنية والعسكرية هي صمّام الأمان الوحيد في هذه المرحلة الحساسة".
كما تساءل محفوض عن سبب عدم تظاهر هؤلاء الشباب ضد من تسبب بمآسيهم، قائلاً: "بدلاً من النزول دعماً لدولة أجنبية، لماذا لا يُظهرون نفس الحماسة ضد من اغتال أمينهم العام السابق حسن نصرالله؟ هذه الأسئلة تُبرز ازدواجية المعايير في مواقفهم".
وفي تعليقه على الاتهامات الموجهة للعميد فادي كفوري وعلى ما تناقله جمهور "الحزب" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال محفوض: "الجماعة التي قتلت ضابطاً مثل سامر حنا بدم بارد ليس مستغرباً أن تطلق حملات ضد أجهزة أمنية تقوم بواجباتها. هذه الممارسات تكشف حالة الفوضى التي يعيشها الحزب".
وفي معرض حديثه، استخدم محفوض تعبيراً لافتاً، قائلاً: "الإيراني يتعامل مع أذرعه مثل العلكة، يمضغها حتى تنتهي حلاوتها ثم يرميها. وهذا بالضبط ما يفعله مع "حزب الله" وغيره من الميليشيات التي تخدم مصالحه". وأضاف: "نحن في الأيام الأخيرة التي تفصلنا بين "لا دولة" واستعادة الدولة. الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية هي الأمل في تحقيق هذه الاستعادة".
حادثة "Mahan Air" ليست مجرد حادثة عابرة، فهي تحمل رمزية كبيرة. القرار بتفتيش الطائرة يعكس إصرار الأجهزة الأمنية على تطبيق القانون وحماية السيادة اللبنانية، في مواجهة محاولات الترهيب التي يعتمدها "الحزب". هذه الحادثة تُظهر أن لبنان أمام مفترق طرق بين الفوضى واستعادة الدولة، وأن المؤسسات الأمنية قد تكون الأمل الأخير لإعادة بناء المؤسسات.
فما حدث في الأيام الماضية يُعدّ اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة اللبنانية على فرض هيبتها وسيادتها. أما "حزب الله"، الذي يعيش حالة من التخبط الداخلي نتيجة الخسائر التي مُني بها والتغيرات الإقليمية والدولية، فيجد نفسه في مواجهة واقع جديد يُلزم الجميع بالخضوع لسلطة الدولة. وفي ظل هذا المشهد، يبقى الأمل معقوداً على المؤسسات الأمنية والعسكرية لتحقيق تطلعات الشعب اللبناني في بناء دولة القانون والمؤسسات.