في لبنان لا يزال القضاء أو معظمه رهن السياسيين الذين يطبِقون عليه بقدرتهم على ترهيب القضاة أو الضغط عليهم. ولأن القضاء الحر هو المدخل الأساس لأي دولة عصرية فإن الدفاع عن أي قاضٍ مظلوم هو من صلب عمل أي صحافي أو إعلامي مهما كان انتماؤه وتوجهاته االسياسية.
ولكي يعرف القارئ سبب فتح ملف القضاء اليوم عليه أن يعلم بأن مجلس القضاء الأعلى تعطّل عمله لسنوات طويلة بسبب الضغط السياسي وأن ملفّ تفجير مرفأ بيروت والقرار الظني للقاضي طارق البيطار تم تعطيلهما بسبب الضغط السياسي، وأن ملفات الفساد على أنواعها في الدولة اللبنانية وفي كل مؤسساتها لا يمكن فتحها بسبب الضغط السياسي، وملفات عدد كبير من تجار المخدرات ومن المهرِّبين والسماسرة والمرتشين ومستغلّي الوظيفة ومثيري النّعرات والسارقين الكبار، ممنوع فتحها بسبب الضغط السياسي.
حتى الملفات التي تم فتحها فُتحت بضغط سياسي وتأميناً لمصلحة السياسيين أو المنتفعين وليس آخرها ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الذي لا يعلم اللبنانيون إذا أوقف لسجنه أو لحمايته.
باختصار السياسة في لبنان تتحكم بالقضاء وبكل مفاصل الدولة. لكن بعد ثورة 17 تشرين وبعد سقوط هيبة حزب الله وهروب الأسد، من يملك القدرة التعطيلية للقضاء اللبناني وكيف يُسمح بظلم قُضاة وعلى مرأى من الجميع؟
القصة ليست قصة رئيسة نادي القضاة القاضية نجاة أبو شقرا، لكنّ المجلس الدستوري المعيّن أصلاً من قبل سياسيين أمام مهمة صعبة.
وفي التفاصيل فإن مجلس النواب المشكوك أصلاً بتمثيله أصدر قانوناً بالتمديد لمجلس القضاء الأعلى لمدة سنة كاملة وبالتمديد للمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم لمدة ستة أشهر ولمدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار عندها اعترض رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وأصدر بياناً عالي اللهجة معتبراً أن من مُدّد لهم بأكثريتهم تسببوا بتعطيل القضاء.
وبما أن خطوة عبود الاعتراضية لا تؤدي الى وقف مفاعيل التمديد تقدمت رئيسة نادي القضاة القاضية نجاة أبو شقرا بطعن باسم نادي القضاة أمام المجلس الدستوري، فأحالها وزير العدل هنري خوري على التفتيش القضائي.
أبو شقرا بدورها مثلت أمام القاضية سمر سواح في التفتيش القضائي لكنّ جلسة استجوابها توقفت بعدما دخل عدد من القضاة المنضوين في نادي القضاة الى مكتب سواح ومنعوا استجوابها.
خطوة القضاة في النادي ترافقت مع تقديم عدد من النواب اللبنانيين طعناً بالتمديد لمجلس القضاء الأعلى وللقاضيين ابراهيم والحجار أمام المجلس الدستوري فعلّق حينها المجلس البت بالتمديد للبحث بالطعن.
خطوة الوزير خوري المستغربة تأتي نزولاً عند طلب سياسي واضح بسبب تجرؤ قاضية لبنانية على المجاهرة برفض مخالفة القوانين، ووزير العدل القاضي السابق المقرّب من مافيا الفساد طعن بفعلته استقلالية القضاء في صميمها.
كيف يمكن لوزير وهو قاضٍ سابق أن يسمح بضرب نادي القضاة والمفكرة القانونية وكل مرجع قضائي غير مُرتهن لفريق سياسي؟ ألا يعلم خوري بأن صلاحيته الوزارية ستنتهي قريباً لكن مفاعيل قراره الظالم ستلاحق عائلته وفريقه السياسي؟
ألا يعلم خوري ومن وراءه أن في نادي القضاة لا مكان للطائفية والمحسوبيات وأن أي قاضي شريف يدافع عن النادي وعن المنضوين في صفوفه؟
أين رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان والنواب السياديون من هكذا تصرّف؟
أين المجتمع المدني والإعلام الحرّ؟ أين رافضو الظلم والمنتفضون على ترهيب من نحتمي بهم؟
نطالب النائب عدوان بالضغط لتخصيص جلسة مساءلة الوزير هنري خوري لاستمراره في ممارسة سياسات التخويف والضغط النفسي بحق نادي قضاة لبنان ولمحاولته توجيه رسالة من خلال ترهيب القاضية أبو شقرا ليُرهب بذلك القضاء برمّته.