أين «وثيقة الوفاق الوطني» (اتفاق الطائف) من كل ما يحصل؟ تكاد اتفاقية وقف إطلاق النار والاتفاق الجانبي، يطغيان على مشهد الانتخابات الرئاسية، بينما تراجع «اتفاق الطائف» إلى المرتبة الثالثة في معزوفة البيانات والتصاريح. مناسبة القول إن «اتفاق الطائف» تعثَّر تطبيقه لأن الولايات المتحدة وبعض العرب أطلقوا يد النظام السوري في لبنان ثمن مشاركته «الرمزية» في حرب تحرير الكويت من نظام صدام حسين عام 1990.
عام 2005 نقل نظام الأسد وكالته إلى إيران، وبرغم ما حصل بوكيل الوكيل أي «حزب الله»، لا تبدو فرص العودة إلى تطبيق «الطائف» نصاً وروحاً، على ما درجت عليه الخطابات، واعدة.
كل كلمة تفوه بها مسؤولون في «حزب الله» قبل الحرب وبعدها، توحي بأن قديم انتهاك «الطائف» باق على قدمه. لقد قُطعت طريق طهران لكن انقطاع النَفَس العسكري والمالي سيحتاج إلى وقت. ومن قال إن «حزب الله» إذا وجد نفسه في حصار قاتل لا يقدم على انقلاب في لبنان؟ لقد فعل «بروفا» في «7 أيار» لمجرد قطع أسلاك هاتفية.
ومن قال إنه لن يتورع عن «6 شباط» جديدة كما فعل بالتكافل والتضامن مع حركة «أمل» عام 1984حين احتُلت بيروت وتمت السيطرة على اللواء السادس في الجيش. وبمعزل عن رئيس استثنائي ، الرئيس الآتي الخميس أو ما بعد الخميس لن يملك القدرة على إدخال «الطائف» في عقل «حزب الله». فهذا الاتفاق بـ «نصه وروحه» من طبيعة مناقضة لهذا «الحزب»، ولبنان المعافى لن يتسع لكليهما، فإما على «الحزب» أن يتغير أو سيبقى «الطائف» من دون طائل. لذا يجب عدم التسرع في نثر الورود أمام مرحلة قد لا تأتي وإن أتت قد لا تدوم. في كل شواهد التاريخ الحديث والقديم، تقع الهزيمة عندما تنهزم الفكرة لا القدرة العسكرية، أو عندما يُصاب المهزوم بصدمة وعي وجداني فيَقبل على نفسه النتيجة غير عابئ بقيود ماضيه.
«حزب الله» خارج كل هذه الاحتمالات، فسلاحه باق في الداخل بمعزل عما قامت وقد تقوم به إسرائيل. «الطائف» غيَّر في توزيع السلطة، ثم نبتت مرحلة الهيمنة السورية التي حكمت بقوة «النظام الأمني اللبناني السوري». اليوم ثمة مرحلة جديدة تنضج في سوريا وما حصل في لبنان «بوادر» لتغيير وليس تغييراً كامل العناصر.
الكلام عن ربيع في دمشق يزهر في لبنان ليس أكثر من شعار وتمنيات. والمرحلة تقاس بالرجال وبالقوى السياسية، فمن هم أطراف وقوى «المرحلة الوردية» التي تبدو اليوم مجرد براعم لم تتفتح بعد؟ من هو الرئيس من بين كل الأسماء المتداولة القادر على هذا التحدي الكبير؟ هذا ليس انتقاصاً من الاسم بل نقصاً في موجبات مرحلة التغيير الاستراتيجي الكبير. السلاح أتى بنواب «حزب الله» وواهم من يعتقد أن نوابه سيقبلون برئيس يفاوضهم حتى على «استراتيجية دفاعية». سنحظى برئيس نقارنه بأسلافه، وسنجد له الأعذار.
أما الرؤساء الذين يقودون المرحلة ولا يدعوها تقودهم فقلة قليلة. سخيفة هي عبارة رئيس لكل اللبنانيين. حكماً سيكون في وقت معين وفي قضية معينة ضد «لبنانيين» لا يناسبهم هذا الوقت وتلك القضية. المشكلة معقدة وأبعد من رئيس الخميس أو ما بعد الخميس.