جواد الصايغ

شكّل رأس حربة ضدّ نظام الأسد

الهجري يضغط لتحقيق تطلّعات "الثورة"

سوريا التي يُطالب بها الهجري تعدّ مطلباً عربياً - غربياً

بات واضحاً وجلياً أن القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا وزعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع يواجه أزمة في الجنوب السوري، وتحديداً في السويداء، فالجمر لم يعُد تحت الرماد، إذ إن التصريحات التي سمعها أعيان المحافظة تختلف عن التوجّهات والأفعال على أرض الواقع.


وجاءت ليلة رأس السنة لتظهر المشهد بوضوح، وترفع من هواجس أهالي المحافظة بعد محاولة رتل لـ "هيئة تحرير الشام"، وعلى وجه الخصوص جهاز الأمن العام، الدخول إلى المحافظة والسيطرة على المباني الحكومية، رغم الوعود والكلام الإيجابي الذي أوصلته الحكومة إلى المرجع الذي يُمثل المحافظة، شيخ عقل الدروز الشيخ حكمت الهجري.


محاولة بسط السيطرة بهذه الطريقة وفي ليلة رأس السنة، أثارت أزمة ثقة كبيرة، فسكان المحافظة كانوا ليستيقظوا صباح اليوم الأوّل من العام الجديد ليجدوا أن أمراً واقعاً فُرض عليهم وليس بمقدورهم فعل شيء حياله.


ولا بدّ من الإشارة إلى أنه وعندما كاد الجميع يعترف باستحالة سقوط نظام الأسد مع استعادته السيطرة على جزء كبير من سوريا، وعودته إلى الحاضنة العربية، أعلنت السويداء بقيادة الهجري الثورة على النظام والجماعات الإيرانية الموجودة فيها.


ووصل بالهجري الأمر حدّ الطلب للاستعداد عسكرياً للمواجهة إذا فُرضت، داعياً إلى رحيل النظام وتطبيق القرار الدولي 2254، ما عرّضه لانتقادات كبيرة واتهامات بعدم إجادة قراءة المشهد السياسي والتغيّرات، وقيادة المكوّن الدرزي في السويداء وسوريا عموماً إلى المجهول، فالنظام انتصر وبدأ يستعيد الاعتراف الدولي بشرعيّته، فلماذا مواجهته؟


ومع سقوط الأسد، لم تتغيّر مطالبات الهجري وبقي متمسّكاً ببناء سوريا على أساس دولة مدنية تحتضن جميع أبنائها وفق نظام لامركزي، وتشكيل جيش وطني يضمّ جميع السوريين من غير المتورّطين بالمجازر، والابتعاد عن عمليات الثأر وضرورة الركون للعدالة في محاسبة المرتكبين.


موقف الهجري الثابت الذي أطلقه قبل سقوط النظام واستمرّ فيه، يسعى إلى تحقيق تطلّعات "الثورة" ويُلاقي قبولاً سورياً كبيراً، فالهيئات السورية التي مثلت المعارضة في الخارج تتوافق مع طروحاته، وتجسّد هذا التلاقي في زيارة وفود سورية من كافة المحافظات له. وعلى الرغم من اعتبار البعض أن شيخ العقل يُريد الانفصال، فإن شكل سوريا الذي يُطالب به يُعدّ مطلباً عربياً - غربياً، فالدولة المدنية والاعتدال والتنوّع من شأنها مواجهة أي محاولة لنمو بيئات متطرّفة تشكّل خطراً على البلاد والجوار في آن.


لكن المطالب التي يطرحها شيخ عقل الدروز قد تصطدم بأي أجندة إقصائية تجري هندستها والعمل عليها، رغم التصريحات الإيجابية التي خرجت وما زالت من الإدارة الجديدة وحكومتها. فبحسب المعلومات، فإن الأفعال لم تقترن بالأقوال في أكثر من مناسبة، فحكام دمشق يصمّون آذانهم عن سماع ما تريده المحافظة، والوفد الذي زار قصر الشعب والتقى بالشرع، أخبره عن تعيين العميد طلال العيسمي قائداً للشرطة التي ستضمن الأمن في السويداء، وأُبلغ وزراء حكومة الإنقاذ الذين زاروا الهجري بهذا الأمر، بيد أن الردّ أتى بالرتل الذي أُرسل من دون تنسيق.


وفي الموضوع الإداري، بلغ الانقسام ذروته، فهيئات المجتمع المدني والقوى التي شاركت في التظاهرات ضدّ نظام الأسد لعامين، طلبت تعيين محسنة محيثاوي في منصب المحافظ نظراً لخبرتها ونزاهتها، وبارك شيخ العقل هذا الخيار، ليأتي الردّ من السلطة الجديدة على شكل التداول بخبر إعلامي تمّ نشره بالموافقة على تعيين محيثاوي، وفي الوقت نفسه إرسال مصطفى بكور برفقة شخصية عسكرية من "الهيئة" تُعرف باسم "أبو البراء"، ليقوم بمهمّة المحافظ من دون أي توضيح عن دور السيّدة التي أرادها أهالي السويداء لهذا المنصب.


وفي الشأن الخدماتي، لا تزال المحافظة تعاني على الصعد كافة، حتى أن المستشفيات تفتقد للعديد من المواد الطبية الأساسية في عملها، رغم الوعود التي قدّمها زائرو السويداء من طرف حكومة الإنقاذ، ما طرح علامات استفهام حول اتباع نهج النظام السابق القائم على التزويد بالخدمات مقابل تقديم الولاءات.


الأحداث المتسلسلة دقت ناقوس الخطر، فجلّ ما تريده المحافظة ومرجعها، حكم لامركزي، وتشكيل جيش وطني من دون محسوبيات في الترقيات، ومعاملة الجميع على قدم المساواة، علماً أن الأمور التي بدأت تتكشف ليلة سقوط النظام تشير إلى أن فصائل المحافظة مع فصائل من درعا المجاورة وصلت إلى دمشق عندما كان مقاتلو "هيئة تحرير الشام" لا يزالون في حمص، وكان بإمكانهم إعلان السيطرة على العاصمة، ولكن طلباً معيّناً صدر وقضى برجوعهم من حيث أتوا وترك المشهد لتتصدّره "الهيئة" وقائدها.