المحامي فايز قزي

السيادة شرط وجود – الرئاسة شرط كمال

يختصر الفرنسيون تاريخ فرنسا الحديث بمقولة: "أن الجنرال ديغول هو فرنسا والرئيس الأسبق فرنسوا ميتران هو الجمهورية". ديغول كتب في مذكراته "إن إيماني ثابت بعقيدة فرنسية ثابتة لا تسمح لي بمساومات بينما Vichy كانت له تنازلات دائمة أدت إلى الخضوع والاستسلام"، وأكدَّ أيضاً حتى أن جمهورية أميركا يمكن أن تعيش بلا رئيس، ولقال لنا اليوم لبنان يعيش بدون رئيس ولكن ليس بدون سيادة. وميتران ذكر في كتابة الأخير Memoires Interrompus "أن السلاح في دولة مستقلة يكون سلاح ثورة أو سلاح احتلال ولا وصف آخر له". ويعجز اللبنانيون عن وضع كتاب يوحّد قراءة المحطات السياسية منذ الإمارة المعنية حتى اليوم. ورغم الحروب الأهلية وتبادل حقبات الهيمنة التي نامت على وسادة لا غالب ولا مغلوب لتعود جمراً حارقاً كلما هَبّت عاصفة من المشرق أو المغرب أو الاقليم.


لم يكتشف الجدود والآباء ربما "شروط الوجوب" لبناء وطن ثابت ونهائي، فاكتفوا متسرِّعين "بشروط كمال" فعاشوا مسرحيات سياسية سوداء لجماعاتٍ دينيةٍ أو عشائريةٍ بلغت ذروة لبنانيتها في عهد كميل شمعون ثم راحت تغرق في تجارب أشباه رؤساء ناموا في قصرها، فحولوه إلى مغارة، واستمرّوا في سرقة غِلالِها لتَشحَّ مواردُنا وتحترق في جهنم وبئس المصير.


توهمنا أخيراً أن اتفاق الطائف اكتشف سر الغاء الطائفية، وتكريس ميثاق العيش المشترك، وضوابط وشروط النجاح، ولكنه تعرض فور تطبيقه لانقلاب تولاه النظام السوري الأسدي "للرعاية والوصاية" اللتين تدرجتا من هيمنة المخابرات السورية على كافة السلطات إلى التجاوزات المسلحة التي ارتكبتها فصائل فلسطينية وإسلامية تدين بالولاء لدول عربية تتنافس على اغتصاب خارطة لبنان السياسة والجغرافية. فبات شعار حافظ الأسد "دخلنا لبنان لتنفيذ مشروعنا السياسي الذي يبلغ حده الأدنى أن يكون لبنان تابعاً لسوريا كما تتبع بلغاريا للسوفيات وحدّه الأقصى أن نضم لبنان إلى سوريا" قالها لسماحة الإمام موسى الصدر في آذار 1976.


وكانت إيران الخميني آخر المتنافسين باعتماد "جهاد الغزو" بواسطة "حزب الله" لحرب طوفان الأقصى في أكتوبر 2023. دخل "حزب الله" تحت شعار المساندة بمثابة تجربة أولى لتحضير إعلان "لبنان ولاية إيرانية"، معتمداً على مساهمة نبيه بري لتشريع منع انتخاب رئيس للجمهورية.


تعطيل الرئاسة بدأ بالظهور للعلن خلال عهد الرئيس ميشال سليمان بعد ارتكابه جرم توقيع بيان بعبدا – وتصنيف الثلاثية بأنها خشبية لا ذهبية. ثم انتقل إلى مرحلة ميشال عون أو لا أحد، التي أفشلها سمير جعجع بتنازله لعون ليحرج "حزب الله".


وربما تكون جلسة 9/1/2025 المناسبة الشرعية المنتظرة التي تقطعُ رأس الجمهورية لسنوات طويلة فتكون شروط إعلان الولاية التابعة لسلطة الولي الفقيه قد أينعت. فيعرض الحزب نظامه الإسلامي على اللبنانيين ولن يختاروا سواه بديلاً كما جاء في وثيقة المستضعفين سنة 1985 وكتاب نعيم قاسم صفحة 40 طبعة /3/ سنة 2004:" واذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحرية شكل ونظام الحكم في لبنان فإنه لن يرجح على الإسلام بديلاً.


وبعد سقوط السيد حسن نصرالله بظروف لم تزل غامضة عناصرها الإيرانية، بات "حزب الله" المهزوم عسكرياً في فلسطين ولبنان وسوريا، والقلق في عراق الإمام الأكبر السيستاني الذي يرفض كلياً ولاية الفقيه في صيغة الخميني. وبعد الفشل الواضح في نجاح كيمياء السيد نعيم قاسم تعويض سحر "السيد" حسن نصرالله، كلفت أبواق "حزب الله" أن يتولى نبيه بري مهمة إفشال قائد الجيش في الوصول، وهي تتظاهر بعدم الاعتراض.


وحده نبيه بري يعرف سر ما حصل. لقد عاش عذاباته وأهواله مع حسن نصرالله. وهو يملك اليوم وحده سلطة حسم الموقف. فهل تكون جلسة التاسع من كانون الثاني 2025 تاريخاً جديداً يكتبه لوطن ينزف بين أطماع الجوار القريب والبعيد. فيرفض سم الفقيه الإيراني والاحتلالين اليهودي والفارسي فيخرج مع شيعته العاملية الصدرية اللبنانية وكل أهل الجنوب خاصةً واللبنانيين عامةً من مشروع الولي الفقيه الإيراني ويستعيد قيادة ما تركه إمام لبنان وشهيده الأكبر موسى الصدر، الذي أنشأ أمل منظمة مقاومة لبنانية تتبع إماماً لبنانياً. وهكذا يستعيد الرئيس بري كامل هويته الوطنية في جناحيها الشرعي والدستوري. لأن الحفاظ على الجيش ووحدته وانفراده بحماية كيان الوطن والجمهورية يسقط نهائياً شرعية المقاومة الإيرانية. الجواب عند الأستاذ الرفيق السابق، فإن أقدم، أنصف شباباً استشهدوا بشجاعة في حرب الإسناد الشرعية وقيادة غير لبنانية خدعتهم ولو لمرة بوعدٍ غير صادق، وعندها يعود لبنان لأهله ويستحق الرئيس الجديد المجلس القديم.


عندها يعود لبنان وطناً نهائيأً لجميع أبنائه. ويحقق شرطين وواجبين بخطوة واحدة، إذ يأتي برئيسٍ "يملأ القصر ويحمي وحدة الجيش والوطن"، رئيس يرفع على مدخل المطار يافطة: "رافقتكم السلامة من لبنان" لا "من وطن المقاومة".


إنه زمن تدفق المنجمين والعرافين وعلماء الغيب، فلنحلم بصورة بعل لبناني يقود شعبه إلى ثورة شعبية تقاوم الإحتلال وتستعيد الاستقلال كشرط وجود وبعدها تستحق شروط الكمال.