راشيل علوان

صعود اليمين وتراجع اليسار

الغرب يشهد انطلاق عصر جديد

ترامب يحمل معه نهجاً مختلفاً في مقاربة القضايا الشائكة (رويترز)

أتت استقالة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو لتشكل صفعة جديدة لليسار الغربي ودليلاً آخر على تراجع التيار الليبرالي وإخفاقه في الاحتفاظ بثقة شريحة واسعة من الشعوب الغربية، لعجزه عن تقديم أي حلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الفئات الشعبية.



أزمة الحزب الليبرالي في كندا، معضلة تعانيها التيارات اليسارية وبالتحديد الليبرالية في أوروبا، مع ما أظهرته نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران 2024، حيث أدّى صعود اليمين في البلدان المؤسِّسة للعمل الأوروبي المشترك، خصوصاً في فرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى تشكّل خريطة جديدة غير تقليدية للمشهد السياسي الأوروبي، الأمر الذي ستكون له تداعياته على أداء الاتحاد ولو بشكل نسبي.



انتخابات البرلمان الأوروبي كانت أوّل الغيث لهذا الانعطاف اليميني في "القارة العجوز"، وتراجُع صورة الاتحاد الذي كان بالنسبة إلى الكثيرين في البداية مرادفاً للازدهار والنمو، وأصبح اليوم مرادفاً للتقشف والبطالة، والخوف على الهوية والسيادة من موجات الهجرة واللجوء المتزايدة.



وفي فرنسا، حقق حزب "التجمع الوطني" اليميني بقيادة كلّ من رئيسه جوردان بارديلا والزعيمة مارين لوبن، نتائج لافتة في الانتخابات التشريعية في تموز 2024، على الرغم من أنه كان يُراهن على تحقيق نتائج أفضل.



أما في ألمانيا، فقد خسر المستشار أولاف شولتز تصويتاً على مذكرة حجب الثقة في البرلمان، ما تسبّب في انهيار الائتلاف الحكومي الذي قاده منذ 2021 . وها هي برلين على موعد مع انتخابات تشريعية مبكرة في شباط المقبل، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تقدّم "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" المحافظ بأكثر من 30 في المئة من الأصوات، يليه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني مع 20 في المئة.



أزمات سياسية ووجودية حقيقية تعانيها التيارات اليسارية والليبرالية في الغرب، وأتت الحرب الروسية - الأوكرانية المندلعة منذ العام 2022 لتضع أسس الديمقراطية الليبرالية والقيم التي أسّست الاتحاد الأوروربي أمام اختبار صعب. ولعلّ السياسات الاقتصادية التي تمّ تبنّيها في الغرب للتعامل مع الأزمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الأوكرانية، وعلى رأسها أزمة الطاقة الأوروبّية، أظهرت مدى الاستعداد الغربي للتخلّي عن بعض مبادئ الليبرالية، مقابل الحفاظ على بعض الاستقرار الاقتصادي.



من هنا، أصبح جلياً أن "عصراً انتهى، وأنّ عصراً جديداً بدأ، وليس هناك ما يرمز إلى ذلك بوضوح مثل إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية". بهذه الكلمات بدأ رئيس تحرير مجلّة "دير شبيغل" الألمانية ديرك كوربغويت افتتاحية عدد تشرين الثاني الماضي بعنوان "نهاية الغرب"، معتبراً أن هذا الغرب فقد قوّته القيادية، مع انهيار الأساس المشترك للقيم الذي كان قد بدأ بالتصدّع منذ فترة طويلة، مدلّلاً على ذلك بتصاعد التوترات في كلّ مكان، وصعود التيارات اليمينية في كلّ من إيطاليا وفرنسا وألمانيا. وهذه كلّها مؤشرات إلى أن الغرب لم يعُد يُشكّل كتلة واحدة للديمقراطيات الليبرالية كما كان.



العشرون من كانون الثاني موعد تسلّم ترامب مهامه على بُعد أيام معدودة. ومع اقتراب هذا اليوم، يبقى الترقّب سيّد الموقف لما سيحمله الرئيس ترامب من تغييرات على مستوى السياسات الغربية لجهة قضايا الأمن، والاقتصاد، والهجرة، والمناخ وغيرها. فكيف سيواجه الغرب هذا التغيير؟ وهل سيتمكّن من استعادة قوّته ووحدته في آن معاً؟