أنطونيو رزق

الدنمارك أمام امتحان صعب مع الحليف الأميركي

المنافسة الاستراتيجية تدفع ترامب نحو غرينلاند

"قاعدة بيتوفيك" في شمال غرب غرينلاند (رويترز)

مع بداية العدّ العكسي لتوليته رئيساً للولايات المتحدة، فاجأ الرئيس المُنتخب دونالد ترامب العالم في الفترة الأخيرة بطرحه مشاريع توسّعية في القارة الأميركية، حيث اقترح خلال مؤتمر صحافي واحد هذا الأسبوع، جعل كندا الولاية الأميركية الـ 51، واستعادة مضيق بنما، بالإضافة إلى ضمّ غرينلاند، التي تقع في القطب الشمالي وتتمتع بحكم ذاتي، لكنها تخضع لسيادة الدنمارك.


لم تتأخر الدول المعنية في الردّ على تصريحات ترامب، مستنكرة خصوصاً تلويحه باستخدام سواعد "العم سام"، الاقتصادية بالنسبة إلى كندا، والعسكرية بالنسبة إلى بنما وغرينلاند، في حال لم يحصل على مبتغاه دبلوماسياً، في وقت رأى فيه محلّلون أن أكثر تلك التصريحات جدّية بالنسبة إلى ترامب هي التصريحات المتصلة بـ "الجوهرة البيضاء" غرينلاند، التي وصف السيطرة عليها بـ "الضرورية" لأسباب تتعلّق بالأمن القومي الأميركي. وكان ترامب قد أثار مسألة الاستحواذ على غرينلاند خلال ولايته الأولى، إذ اقترح حينها شراءها من الدنمارك، التي رفضت مناقشته في المسألة.


تتعدّد الأسباب التي تدفع ترامب في اتجاه صدام محتمل مع الدنمارك، حليفة بلاده في حلف "الناتو"، إذ مع احتدام المنافسة الجيوستراتيجية بين واشنطن وبكين على الساحة الدولية، تشكّل غرينلاند مركز نزاع مهماً بين القوتين العظميين نظراً إلى موقعها الاستراتيجي شرق أرخبيل القطب الشمالي الكندي، بحيث تؤدي سيطرة إحدى القوى العظمى على غرينلاند إلى تعديل موازين القوى بنسبة هائلة في القطب الشمالي.


كما تتمتع غرينلاند بكميات كبيرة من الغاز والنفط والمعادن النادرة المهمّة في ظلّ المنافسة الصناعية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين. وبدأت بكين بمحاولة خلق وجود ونفوذ لها في غرينلاند عبر طرحها مشاريع واستثمارات متعلّقة باستخراج المعادن، في حين تتواجد واشنطن عسكرياً في المنطقة، ولا سيّما عبر "قاعدة بيتوفيك" في شمال غرب غرينلاند، التي تكسب مكانة استراتيجية كذلك لوقوعها على أقصر طريق من أوروبا إلى أميركا الشمالية، وتالياً تعتبر بالغة الأهمية للنظام الأميركي للتحذير من الصواريخ الباليستية.


لذا، لا تشكّل الصين التهديد الوحيد لنفوذ الولايات المتحدة في غرينلاند، إذ تسعى روسيا أيضاً إلى الهيمنة على القطب الشمالي وإضعاف نفوذ القوى الغربية فيه. وعززت موسكو بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة وجودها العسكري في القطب الشمالي، ما يضعها في وضعية تسمح لها بتشكيل تهديد جدي لغرينلاند. وبعد تصريحات ترامب، عبّر الكرملين عن أهمية غرينلاند بالنسبة إلى موسكو، مشيراً إلى أن "القطب الشمالي منطقة لمصالحنا الوطنية". وهذا ما يدفع واشنطن أيضاً إلى المطالبة بضمّ غرينلاند، التي يُسهّل موقعها مراقبة أميركا للمياه بين الجزيرة وبين أيسلند وبريطانيا، إذ تعدّ تلك المياه بوابة للسفن البحرية والغواصات النووية الروسية.


وعلى الرغم من استنكارها عدم استبعاد ترامب استخدام القوة العسكرية لضمّ غرينلاند، أبدت السلطات الدنماركية، التي تواجه امتحاناً صعباً مع حليفتها واشنطن، تفهّماً للهواجس الأمنية الأميركية، مقترحة تعزيز التعاون بين كوبنهاغن وواشنطن في غرينلاند، ما قد يترجم في زيادة حجم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وتسهيل الاستثمارات الأميركية في استخراج الموارد الطبيعية. وبالفعل، بدأ فريق ترامب للأمن القومي بإجراء محادثات تمهيدية مع غرينلاند والدنمارك، تعبّد الطريق أمام مفاوضات شاملة بعد تدشين ولاية ترامب الثانية.


استخدم ترامب أسلوب التهديد والوعيد كأداة ضغط دبلوماسية في ملفات عدة خلال ولايته الأولى، مثل تهديده بترك "الناتو" في حال لم تزد الدول الأعضاء إنفاقها الدفاعي، ما حضّ دول الحلف على الالتزام برفع موازناتها. يبقى السؤال الأهمّ، هل ينجح أسلوب ترامب هذا في التوصّل إلى تسوية مع الدنمارك حول غرينلاند أم أنه سيضطر إلى ترجمة تهديداته إلى أفعال، ما قد يُصدّع العلاقات الأوروبّية - الأميركية في وقت الوحدة الغربية حاجة استراتيجية ملحّة لمواجهة الصين الطامحة وروسيا الناقمة؟