خطاب الرئيس نواف سلام بعد تكليفه بتشكيل الحكومة

المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام
الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نواف سلام ملقياً خطاب التكليف في بعبدا (رويترز)

بعد انتهاء الخلوة، التي جمعته في القصر الجمهوري في بعبدا مع كلّ من الرئيس جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتكليفه بتشكيل الحكومة، تحدث الرئيس المكلّف نواف سلام الى الصحافيين فقال:


"من هذا الصرح الذي عادت إليه الحياة، بانتخاب رئيس جديد هو فخامة الرئيس جوزف عون، أتوجه الى ممثلي الأمَّة وجميع المواطنين، لأشكرهم على الثقة التي منحوني إياها لتولي هذه المهمة الصعبة، خدمة للبنان واللبنانيين جميعاً. شعوري عميق بالامتنان والمسؤولية. فهذا ليس مجرّد تكليف بل دعوة للعمل لتحقيق تطلعاتكم، ولا سيما الشابات والشباب منكم: تطلّعات التغيير وبناء دولة عادلة قوية حديثة ومدنية نستحقّها جميعاً، إنسجاماً مع ما تضمّنه خطاب القسم الذي أحيا الأمل بإعادة بناء دولة القانون والمؤسسات. فبعد المعاناة والأحزان والآلام بسبب العدوان الإسرائيلي الهمجي الأخير على لبنان، وبسبب أسوأ أزمة إقتصادية وسياسات مالية أفقرت اللبنانيين. آن الأوان لنقول: كفى! حان الوقت لبدء فصل جديد. فصل نريده متجذّراً بالعدالة والأمن والتقدم والفرص ليكون لبنان بلد المواطنين الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات. وأهم التحدّيات التي نواجهها اليوم هي التصدّي لنتائج العدوان الأخير. إنّ جزءاً كبيراً من شعبنا لا تزال منازله مهدَّمة ومؤسساته التجارية مدَّمرة وصروحه التربوية معطَّلة. وواجب علينا أن نحفظ كرامتهم بالعمل أوّلاً على تأمين شروط إعادة بناء القرى والمنازل المهدَّمة في الجنوب والبقاع وبيروت من أجل عودة كريمة لأهلنا إليها.


وإعادة الإعمار ليست مجرّد وعد بل التزام. وهذا يتطلب العمل الجاد على التنفيذ الكامل للقرار الأممي 1701 وكافة بنود إتفاق وقف إطلاق النار، وفرض الانسحاب الكامل للعدو من آخر شبر محتل من أراضينا. فلا أمن ولا استقرار لبلادنا دون ذلك. وهذا يقتضي العمل أيضاً على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها بواسطة قواها الذاتية، كما جاء حرفيا ونص عليه إتفاق الطائف.


وبالنسبة الى الأزمة المالية والإقتصادية المستمرة، سيكون على الحكومة التي سأعمل على تشكيلها وضع برنامج متكامل لبناء إقتصاد حديث ومنتج. اقتصاد يرتكز على تحفيز نمو شامل ومستدام، وعلى تأمين فرص العمل للأجيال الطالعة. غير أنّ الشرط الأساس لذلك هو قيام دولة قادرة وعادلة، ذات إدارة شفافة وفاعلة، دولة تقوم على مبدأ المواطنة الجامعة ومفهوم سيادة القانون، دولة تجسّد في جميع الحقول والمجالات دون استثناء المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، كما نصّت عليه أيضاً مقدمة الدستور المعدَّل بالاستناد الى إتفاق الطائف.


فالأساس في الاصلاحات السياسية التي طال انتظارها هو العمل في آن واحد على تنفيذ أحكام الطائف التي لم تنفذ بعد، وعلى تصحيح ما نفذ منه خلافاً لنصّه أو روحه، وعلى سد ثغراته. وهذا لا يتحقّق من دون العمل على تطبيق اللامركزية الإدارية الموسّعة، ومن دون سلطة قضائية مستقلة ومؤسسات أمنية فاعلة".



وتابع: "لقد عشنا في ظل إدارة مترهّلة حكمتها الزبائنية ونخرها الفساد، فآن الاوان لنفضها، ووضعها في خدمة الناس. وهذا كلّه لا يمكن الحديث عنه قبل ان نعمل بكل طاقاتنا لإنصاف ضحايا إنفجار مرفأ بيروت ولتحقيق العدالة لهم ولذويهم، ولإنصاف المودعين في المصارف.



وإلى الشباب الذين هم طاقة هذا البلد ومهندسو غده، الشباب الذين غادروا لبنان مقهورين أو بقوا هنا محبطين، أقول لهم أنّ لبنان الذي سنعمل لأجله هو لبنان الذي يحتضنكم لتعيشوا فيه بأمان: تتعلمون هنا، وتعملون هنا وتساهمون في بنائه على صورة طموحاتكم واحلامكم.



إنّه فصل جديد. كان لكلّ منا رهان على خارج ما، والتجربة علَّمتنا أنّ الرهان الصحيح الوحيد هو الرهان على وحدتنا وعلى تعاوننا. فلنراهن على بعضنا البعض ولنراهن على بناء المؤسسات القوية. لقد ضيّعنا الكثير من الفرص لبناء الدولة السيدة المدنية المستقلة. ولا حاجة للتذكير بها من قبل الطائف وبعده. فكفى فرصاً ضائعة! كفى ما مررنا به من تجارب شعر البعض فيها بالغبن أو الحرمان أو الخوف أو العزل قبل الطائف كما بعده.


أصغيت بالأمس إلى بعض الهواجس التي أثيرت، ومنها ما أثير من هذا المنبر بالذات. وجوابي هو أنّني بفطرتي وتكويني وممارستي السياسية لست من أهل الإقصاء بل من أهل الوحدة. ولست من أهل الاستبعاد بل من أهل التفاهم والشراكة الوطنية. وهذه دعوتي الصادقة، ويداي الإثنان ممدودتان الى الجميع للانطلاق سوياً في مهمة الإنقاذ والإصلاح وإعادة الإعمار.



في ممارستي لمهمّتي الجديدة سأحرص على الا يشعر مواطن واحد بغبن أو تهميش أو إبعاد. تطلعاتنا كبيرة ولن نساوم عليها، لكن ندرك أيضاً أنّ خطوات تدريجية وثابتة هي أحياناً الطريق الأنجح لتحقيقها. سأبدأ بالعمل فوراً بالتعاون الكامل مع فخامة الرئيس، وأملي كبير بأن نطلق معا ورشة بناء لبنان الجديد".