يسجل للنائب محمد رعد محاولته الابتسام خلال الكلمة التي ألقاها بعد لقاء كتلته مع رئيس الجمهورية لتسمية مرشحهم لرئاسة الحكومة المقبلة، لم تسعفه عضلات وجهه لرسم ابتسامة كاملة ومُقْنِعة ولم يخفف ادعاؤه هدوء الأعصاب من طغيان توتر وجوه زملائه على الشاشة، وطبعا لم تأت الكتلة لتسمي ميقاتي فالأوان كان قد فات، جاء رعد وكتلته ليهددوا العهد بقنبلة الميثاقية بعد ربطها بالعيش المشترك، ولم تكن هذه المرة الاولى التي يستعيدون فيها الميثاقية بصورة مشوهة.
استحضر رعد الميثاقية رغم أن أحدا لم يلمح إلى استبعاد الطائفة الشيعية وإقصائها، بل على العكس من ذلك، كانت كل الاصوات تدعو الثنائي الشيعي للانخراط في المرحلة الجديدة، ولكن لطالما كان للحزب معجمه الخاص وحسب هذا المعجم يعتقد الحزب ان وصول مرشح غير مرشحه إلى رئاسة الجمهورية ضرب للميثاقية، وتكليف مرشح غير مرشحه لرئاسة الحكومة هو أيضا ضرب للميثاقية، حكم الأغلبية، محاربة الفساد، مكافحة المخدرات، حصر السلاح بيد الدولة والمداورة في الوزارات كلها ضرب للميثاقية والعيش المشترك. كل ما يخرج عن عباءة حزب الله وسلطته هو ضرب للميثاقية.
الحزب الذي اعتاد تحقيق رغباته بزيارة أو حتى مجرد اتصال هاتفي من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا وتسيير شؤون الدولة على هواه دون جهد مستنداً على سلاحه وخوف اللبنانيين منه يعمل الآن على ابتزاز باقي الأفرقاء اللبنانيين مراهنا على ترددهم وعدم قدرتهم على بلورة أسلوب تعامل جديد مع الحزب يتناسب مع معادلات ما بعد الحرب، فما لم يقله الثنائي مباشرة أو عبر تسريبات مصادره قاله المقربون صراحة، متجاوزين الحديث عن الميثاقية والعيش المشترك، التهديد بـ 6 شباط جديد للعودة إلى حالة ما قبل الحرب، المقايضة على السلم الأهلي للحصول على مكافأة للحزب بدل أن تتم محاسبته على قرار الحرب وما جره من كوارث غصباً عن الدولة وخلافاً لرأي غالبية الشعب اللبناني.
كان من الطبيعي سماع الرئيس عون والرئيس المكلف نواف سلام يشددون على العيش المشترك، لكن يخطىء العهد ورئيس حكومته وباقي القوى السياسية إذا خضعوا لابتزاز حزب الله أو سمحوا له بالتمادي في تهديداته وعرقلته لانطلاقة العهد، ففي دولة فاضلة، وبدل أن نكون أمام ابتزاز وتهديد وقح للسلم الأهلي، لَكُنّا الآن نشهد محاكمة الحزب وقادته على تسببهم بمقتل الآلاف وتدمير ضاحية بيروت الجنوبية إضافة إلى عشرات القرى في الجنوب، وبدل تحمل الشعب اللبناني، المفلس اصلا، لفاتورة مغامرة الحزب، أو استجداء العرب والعالم للتبرع لإعادة الإعمار، لَكُنّا نعيد البناء من أموال وأصول الحزب المصادرة، لكننا في لبنان، حيث احتماء حزب الله خلف الطائفة الشيعية يجعل محاسبته أمرا مستحيلا، والصدام معه مكلفاً، والعيش المشترك يحتم على باقي الأفرقاء الجلوس معه على طاولة واحدة.
عندما حاول محمد رعد الابتسام، على غير عادته، كان يدرك كل ما سبق، وكان يدرك، كما الرئيس بري، أن لعبة شد الحبال هذه لها حدودها وإنه لا يستطيع الوصول إلى حالة القطيعة مع العهد ولا عرقلة تأليف وعمل الحكومة، فهذا هو الممر الإجباري والوحيد لإعمار ما تهدم، وكونه يعرف ما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من أي طرف لبناني آخر، فإنه الأكثر حرصاً على انطلاقة سريعة لعمل الحكومة وإلا فالبديل هو تمديد معاناة البيئة الحاضنة أقله إلى ما بعد الانتخابات النيابية القادمة.