مكرم رباح

البرلمان كمعبر لاستعادة الدولة

ينكبّ الرأي العام اللبناني، كما هو متوقع، على محاولة التنجيم والتكهّن في عملية تشكيل الحكومة التي يقودها الرئيس المكلف نواف سلام. تظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال الإشاعات أسماء مرشحين يطمحون إلى التوزير ولعب أدوار استشارية في المرحلة القادمة. ورغم أن الطموح مشروع لهؤلاء الأشخاص، وبعضهم من الانتهازيين، فإن هذا التلهّي يجب ألا يشتّت الأنظار عن التحديات الحقيقية التي تنتظر حكومة نواف سلام، وعن أهمية اللحظة التاريخية التي تمثلها ولاية الرئيس جوزاف عون باعتبارها انتصاراً لنضال إصلاحي طال انتظاره.


من غير المجدي أن ينظر اللبنانيون إلى الحكومة المرتقبة باعتبارها مؤتمراً تأسيسياً لإعادة صياغة نظام جديد للبنان. بل يجب أن تُفهم هذه الخطوة كمرحلة أولى نحو إعادة تكوين المؤسسات الدستورية التي دمرتها استباحة سلاح "حزب الله" وفساد الطغمة الحاكمة. هذه العملية بدأت بانتخاب رئيس للجمهورية، وتلتها خطوة تشكيل الحكومة، على أن تُتبع بخطوة محورية ومصيرية تتمثل في إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، تحت قانون انتخابي عادل وبإشراف سلطة سياسية قادرة وحيادية.


يجب أن يسبق هذه الانتخابات النيابية إجراء انتخابات بلدية تعيد تكوين المجالس المحلية والاختيارية، بما يضع البلاد على سكة اللامركزية الإدارية، ويكسر قبضة الأحزاب على المجلس النيابي. فالانتخابات البلدية ستكون مقدمة لتغيير سياسي شامل يمهّد الطريق لمعارضة حقيقية قادرة على مواجهة الأحزاب التقليدية بقواعد شعبية محلية حقيقية.


إن نزع سلاح "حزب الله"، كجزء من اتفاقية دولية شاملة، سيكون مقدمة ضرورية للانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، ولبدء عملية إعادة إعمار الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وفتح الطريق لعودة ضحايا حرب "حزب الله" وإسرائيل إلى أراضيهم وقراهم. هذه المهمة ستكون على عاتق الدولة اللبنانية الجديدة، وسيحظى تنفيذها بدعم دولي وإقليمي واسع. خلافاً لما يروّج له "حزب الله"، فإن هذا المسار أصبح أمراً واقعاً لا يمكن منعه أو تفاديه. المفارقة هنا أن من وقّع على اتفاق نزع سلاح "حزب الله" بالكامل كان "الأخ" نبيه بري، ومن غطى الاتفاق سياسياً كان نجيب ميقاتي.


إن وصول جوزاف عون إلى رئاسة الجمهورية ونواف سلام إلى رئاسة الحكومة يعكس إرادة لتطبيق الدستور والقانون، ولإعادة وصل لبنان مع العالم. من يريد أن يساهم في هذا المشروع الوطني، عليه أن يتحول من مجرد ناقد إلى فاعل سياسي. ينبغي تأسيس تنظيمات حزبية أو حركات سياسية جادة، قادرة على مقارعة الأحزاب السياسية اللبنانية التقليدية بمكانتها وأدواتها المذهبية الفتاكة.


ولكن، لتحقيق نتائج ملموسة، يجب على المعارضة أن تضغط لإجراء الانتخابات البلدية أولاً، ثم الانتخابات النيابية، لأنها تشكل كابوساً فعلياً للأحزاب التقليدية. فالانتخابات المحلية تتيح للعائلات والشخصيات المحلية النافذة فرض خياراتها بعيداً من هيمنة الأحزاب، التي تعجز غالباً عن السيطرة على الانتخابات في هذا السياق. كما أن فرض إصلاحات انتخابية، مثل اعتماد مراكز الاقتراع الكبرى (Megacenters)، سيساهم في كسر احتكار الأحزاب، خاصة الثنائي الشيعي، ويسمح للأصوات المستقلة بإحداث تغيير حقيقي.


من يظن أن هذا المسار غير واقعي أو أنه ترف سياسي في هذه المرحلة الدقيقة، فإنه بذلك يساهم في إبقاء النظام الحالي. هذا النظام، الذي سمح لنبيه بري و"حزب الله" بالتظاهر بأنهم رجال دولة، هو ذاته الذي قاد لبنان إلى الانهيار.


رحلة استعادة لبنان بدأت في 17 تشرين الأول 2019 وتكللت بوصول نواف سلام إلى رئاسة الحكومة. ولكن المعركة الحقيقية ضد فكرة "اللادولة" لا تزال قائمة. هذه المعركة تتطلب من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن كل اللبنانيين، أن يتحولوا من مجرد "معترضين افتراضيين" إلى فاعلين حقيقيين. عليهم أن يؤسسوا كتلاً سياسية قادرة على دخول البرلمان عبر الباب الأساسي، وتحويل السياسة اللبنانية إلى حالة طبيعية من المعارضة والموالاة كما ينص عليها العقل والدستور.