يواجه لبنان تحديات التطبيق الفعلي للقرار 1701 في جنوب الليطاني، وللقرارات الأخرى المرتبطة به في كل لبنان. ولا مهرب من ذلك أمام "حزب الله" إلا باستئناف القتال في ظروف متغيّرة لبنانياً وسورياً وإقليمياً تجعل القتال أشبه بعملية انتحارية. ولا مبرر للخطأ في قراءة المعادلات الجديدة: "حزب الله" ليس مهزوماً، لكنه ليس منتصراً. لا "الحزب" يعود كما كان، ولا لبنان يعود كما كان. والكل يعرف أن ممارسة الاستكبار والعنجهية على اللبنانيين ليست دليل قوة. فالقوي لا يكرر القول يومياً إنّه قويّ. والاتفاق الذي وافق عليه "حزب الله" وصاغه الأميركيون والفرنسيون ليس اتفاق مقاومة منتصرة.
ولا يبدل في الأمر لجوء "المقاومة الإسلامية" إلى معادلة ماوتسي تونغ خلال إحدى المراحل الصعبة في "المسيرة الكبرى" إلى بكين: "التراجع في المكان والتقدم في الزمان". فالضربات الشديدة التي تلقاها "حزب الله" باستشهاد أمينه العام التاريخي ومعظم قادته العسكريين وكادراته وتهجير بيئته الحاضنة وتدمير مناطقها، ثم خسارة سوريا وانحسار النفوذ الإيراني هي تراجع لا تقدم في الزمان. أمّا التراجع في المكان، فإنه تقدم للدولة وسلاحها الشرعي، لا لأي سلاح خارج الدولة. وأما نظرية الأنظمة العربية المهزومة في حرب 1967 عن الانتصار على أساس "خسرنا الأرض لكن الأنظمة بقيت" فإنها غير صالحة للوضع في لبنان إلى جانب تهافتها. والركون إلى كون العدو الإسرائيلي لم يحقق كل أهدافه في الحرب، هو في أحسن الأحوال "ربح سلبي" أو "خسارة ناقصة"، فضلاً عن أن الخسائر ليست فقط المنازل والبنية التحتية المدمرة والأرواح والتي يراها الإيديولوجيون "تضحيات لا بد منها" بل هي الخسارة الجيوسياسية والاستراتيجية لكل مفهوم "محور المقاومة" والمشروع الإيراني.
أكثر من ذلك فإن تكرار الحجة القائلة إنّ القوى الشرعية اللبنانية عاجزة عن حماية البلد والشعب، بما يحتم الحفاظ على "المقاومة الإسلامية" لردع العدو وحماية لبنان كشفت التجربة العملية خواءه. إذ لم يستطع "حزب الله" ردع العدو ولا حماية لبنان ولا حتى حماية قادته وبيئته الحاضنة. ولا شيء يوحي أن هناك مراجعة لما حدث من أجل تعلم الدروس. فكل ما نسمعه هو التهجّم على أكثرية اللبنانيين الرافضين لمغامرة الحرب من أجل غزة، واتهامهم بخدمة "أميركا وإسرائيل" والمحور العربي القريب من الغرب. وهذا هروب من الواقع. فما هو هذا البلد الذي تخدم أكثرية شعبه العدو؟ وما هي هذه المقاومة التي تكتفي بدعم فريق واحد بدل أن تقوى بدعم الأكثرية والتسليم بالشراكة في القرار؟
لا مكان للمنطق الكلاسيكي ولا للمنطق الديالكتيكي في عالم المنطق الإيديولوجي حيث إلغاء الحقائق من أجل الشعارات وما تسمى "الحقائق البديلة". ولا مرونة في التعامل مع "المتغيرات" لأن الثوابت في مسار الجمهورية الإسلامية في إيران محفورة على الصخر.
في كتاب "قبر لينين" يقول ديفيد ريميك: "عندما يتوقّف التاريخ عن أن يكون في خدمة قوة تصبح القوة محكومة بالفشل". لكن المسألة في النهاية ليست الفشل الذي يصعب على الحركات الإيديولوجية الإعتراف به، بل رفض القراءة في أي حدث من خلال ظروفه التاريخية.