سميح إديز

تركيا معزولة ديبلوماسياً في العالم العربي

24 أيلول 2020

المصدر: Al Monitor

02 : 01

نائب رئيس الوزراء ووزير الدولة خالد بن محمد العطيّة مستقبلاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان / الدوحة قطر
اضطربت العلاقات بين أنقرة والعالم العربي بسبب السياسة الخارجية التركية التي تحمل طابعاً إسلامياً في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان. انتهى منذ وقتٍ طويل الزمن الذي كان فيه تمسّك أردوغان و"حزب العدالة والتنمية" بالهوية الإسلامية كافياً لتقريب المسافة بين تركيا والأنظمة العربية تلقائياً. عندما وجّه أردوغان انتقادات لاذعة ضد إسرائيل بعد وصوله إلى السلطة قبل عشرين سنة تقريباً، حصد في البداية إشادة واسعة وسط القادة العرب وفي الشارع العربي عموماً.

كانت سياسات أردوغان التي استهدفت المنطقة غداة الربيع العربي وارتكزت في معظمها على دعم حركة "الإخوان المسلمين" وفروعها كفيلة بنسف مواقف أردوغان السابقة والتي كانت تحظى بشعبية واسعة وسط عدد كبير من الأنظمة العربية بيـن ليلة وضحاها.

باستثناء قطر التي تملك أسباباً براغماتية واضحة للتقرب من تركيا، خسر أردوغان معظم أصدقائه بين القادة العرب.

في غضون ذلك، تضاعف عدد الأعداء والخصوم العرب لتركيا مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل العام 2002، حين وصل "حزب العدالة والتنمية" إلى السلطة للمرة الأولى.

يشكّل قرار الإمارات العربية المتحدة والبحرين إقامة روابط ديبلوماسية مع إسرائيل في الفترة الأخيرة أحدث انتكاسة في منطقة كانت تسعى أنقرة إلى أداء دور رائد فيها.

أصبحت أنقرة اليوم في حالة تأهب منعاً لخسارة نفوذ سياسي إضافي في المنطقة لأن بلداناً عربية أخرى قد تقرر الانضمام إلى الإمارات والبحرين لاحقاً.

ردّت أنقرة بنبرة غاضبة على قرار الإمارات بإقامة علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، فاتهمت الدولة الخليجية بـ"خيانة القضية الفلسطينية خدمةً لمصالحهـا الضيقة". وذكــــــرت وزارة الخارجية التركية في بيان لها: "التاريخ وضميـر شعوب المنطقة لن ينسيا أو يسامحا هذا الموقف المنافق مطلقاً". لكـنّ القرار الإماراتي يوازي ما فعلته تركيا في العام 1949، حين اعترفت بدولة إسرائيل وأقامت علاقات ديبلوماسية معها.

ثمة روابط بين تركيا وإسرائيل على مستوى السفراء حتى الآن رغم العلاقة الباردة والعدائية التي تجمع البلدين في معظم الأوقات. كان لافتاً ألا تُصدِر أنقرة أي تعليق رسمي على حفل التوقيع رفيع المستوى بين البلدان الأربعة في واشنطن خلال الأسبوع الماضي تحت إشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

تُعتبر إيران اليوم مصدر القلق الأساسي للأنظمة السنّية في المنطقة، لا سيما دول الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية. لكن يظن بعض المحللين أيضاً أن تدخل تركيا في شؤون العالم العربي ودعمها القوي لحركة "الإخوان المسلمين" دفعا جزءاً من تلك الأنظمة إلى أحضان إسرائيل. لم يكن خوف أنقرة الكبير من التدخل السياسي الخارجي كافياً لمنعها من محاولة التدخل في شؤون مصر وسوريا وليبيا لتسهيل وصول حكومات صديقة لتركيا إلى السلطة في تلك البلدان.





يبرر المسؤولون الأتراك هذا النوع من التدخل على اعتبار أن النظام القمعي والمناهض للديموقراطية في المنطقة لا يعكس إرادة الشعوب. لهذا السبب، يُعتبر التحرك التركي برأيهم مبرراً من الناحية الأخلاقية.

كذلك، يظن بعض مناصري أردوغان في تركيا أنه سيفوز بفارق كبير إذا ترشّح في انتخابات رئاسية ديموقراطية في أي بلد سنّي من الشرق الأوسط.

ربما يعكس هذا التوقع جزءاً من الواقع، لكنه يبقى مجرّد أمنية. نظراً إلى طريقة توزيع السلطات في العالم العربي اليوم، من المستبعد أن يتغير الوضع الراهن في أي وقت قريب.

لا يمكن أن يتغير هذا الوضع إلا عبر الإطاحة بالأنظمة القائمة في المنطقة. لكن تبدو هذه الأنظمة أكثر حكمة ودهاءً منذ أحداث الربيع العربي التي أصبحت شبه منسيّة اليوم، حتى أنها باتت أكثر استعداداً من أي وقت مضى لاتخاذ التدابير القمعية اللازمة لمنع تكرار تلك الأحداث.

في غضون ذلك، لم يُترجَم أي دعم يحظى به أردوغان في الشارع العربي إلى منافع جيوستـــراتيجية ملموســـة تصبّ في مصلحة أنقرة.

بعدمـــا أوصلت أحداث الربيع العربي الإسلاميين إلى واجهة السياسة الإقليمية، باتت القوى غير العربية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا والصين، تفضّل استمرار وضع المراوحة عموماً، ولو بدرجات متفاوتة.

لا تزال تركيا القوة الإقليمية البارزة الوحيدة التي تتابع تقديم دعم قوي وملجأ آمن لحركة "الإخوان المسلمين" وفروعها.

استقبل أردوغان أعضاءً بارزين من حركة "حماس" في اسطنبول في 22 آب الماضي، فثارت حفيظة واشنطن كونها تعتبر هذه الجماعة الفلسطينية الإسلامية منظمة إرهابية. لكن ردّت عليها أنقرة معتبرةً "حماس" حركة مُنتَخبة ديموقراطياً وحاولت قَلْب الطاولة على واشنطن عبر اتهامها بدعم جماعات تعتبرها تركيا إرهابية.

يسهل أن نتخيل اقتناع عدد كبير من الأنظمة الحالية في الشرق الأوسط بإصرار أنقرة على محاولة استغلال الفرص لتغيير الأنظمة في المنطقة بما يخدم مصالحها الخاصة.

تعليقاً على حفل التوقيع في واشنطن خلال الأسبوع الماضي، كتب المحلل السياسي البارز على قناة "الجزيرة"، مروان بشارة: "ما حصل ليس اتفاقاً بقدر ما هو تحالف. إنه تحالف موجّه ضد قوتَين إقليميتَين: إيران وتركيا".

على صعيد آخر، كان النفور المتزايد من تركيا كفيلاً بدفع مصر والإمارات العربية المتحدة للانضمام إلى التحالف الدولي المعادي لتركيا، علماً أنه نشأ في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط حيث تتصادم أنقرة وأثينا على حقوق استكشاف الطاقة.

أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أمام جامعة الدول العربية في 9 أيلول أن ممارسات تركيا الفاضحة وتدخلاتها في بلدان عربية متعددة تطرح تهديدات ناشئة كبرى على الأمن القومي العربي في الوقت الراهن.

أصبحت المواجهة بين أنقرة والقاهرة مباشرة منذ سقوط أول رئيس مُنتخَب ديموقراطياً في مصر، وهو الإسلامي محمد مرسي، والإطاحة بحكومته المدعومة من "الإخوان المسلمين" في تموز 2013 على يد الجيش الذي كان حينها بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.



العميد المتقاعد نعيم بابوروغلو



يظن العميد المتقاعد نعيم بابوروغلو أن تركيا يجب أن تستعد لاحتمال أن تحذو بلدان عربية أخرى حذو الإمارات والبحرين. وبرأي عدد من المحللين الآخرين، ما كانت الإمارات العربية المتحدة والبحرين لتتخذا خطوات مماثلة من دون موافقة المملكة العربية السعودية، صانعة القرار الأساسية في المنطقة.

شدّد بابوروغلو على الروابط العسكرية الوثيقة بين قطر والولايات المتحدة، وهو يظن أن هذه الدولة الخليجية (الصديقة الوحيدة المتبقية لتركيا في المنطقة اليوم) قد تتعرض لضغوط أميركية لحثها على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.

في مقابلة جديدة مع تلفزيون "فيريانسين"، اعتبر بابوروغلو أن واشنطن بذلت جهوداً كبرى لإنهاء الخلافات القائمة بين الدوحة ودول خليجية أخرى، وعبّر عن اقتناعه بتحقيق هذا الهدف قريباً: "لن تبقى الروابط بين تركيا وقطر على حالها إذا عادت العلاقات بين قطر ودول الخليج إلى وضعها الطبيعي. لكن يجب ألا ننسى أن الدول الخليجية تطالب بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر كشرط مسبق لتطبيع تلك العلاقات". يذكر محللون آخرون أن قطر تتواصل أصلاً مع إسرائيل ويشيرون إلى تفاوضها حديثاً حول وقف إطلاق النار بين الدولة اليهودية وحركة "حماس".



المعلّق السياسي أحمد تاسغيتيرين



يظن أحمد تاسغيتيرين، معلّق سياسي مسلم ومتديّن كان يدعم أردوغان سابقاً لكنه يعارضه اليوم، أن "النزعة الإسلامية" مقاربة إيديولوجية مشروعة. لكنه يتساءل عن صوابية أن تتبنى تركيا، كدولة بحد ذاتها، هذه المقاربة باعتبارها ركيزة لسياستها الخارجية.

كتب تاسغيتيرين في مقالته في صحيفة "قرار" التركية: "النزعة الإسلامية قد تبقى موجودة دوماً على مستوى الأفكار. لكن يجب أن تكون لغة السياسة الخارجية أكثر مرونة بكثير. من الضروري أن يقابل المسؤولون الجميع ويتحاوروا معهم. ليس صحياً أن يبتعد بلد إسلامي عن البلدان الإسلامية التي بدأت تطوّر علاقاتها مع إسرائيل تدريجاً".


MISS 3