القاضي أنطوان الناشف

لبنان بين اللامركزية الإدارية والمرفقية والفدرالية والكونفدرالية المقنّعة

هناك نقاش مستمر في لبنان بشأن مسألة اللامركزية الموسعة منذ اتفاق الطائف الذي تضمن فقرة بهذا الصدد وقد تم إعداد مشروع كامل بهذا الشأن ما زال في أدراج المجلس النيابي منذ العام 2014 من دون أن يتم إقراره.



اللامركزية في لبنان نوعان، لامركزية إدارية ولامركزية مرفقية.



أ- اللامركزية الإدارية قائمة في لبنان بصورتها الحالية منذ العام 1977 تاريخ إقرار قانون البلديات وتعديلاته وهي تعتمد على وجود البلدية كنواة أساسية لها علماً أنه يوجد في لبنان مئات البلديات وهي في معظمها غير قادرة على تأمين الإيرادات المطلوبة للنهوض بالمدن والبلديات المسؤولة عنها وتتكل في تأمين تلك الإيرادات على الصندوق البلدي المستقل مما يجعلها غير قادرة على تأمين الاستقلال الإداري والمالي اللازم لاعتبارها نواة اللامركزية الإدارية.



ب- اللامركزية المرفقية تعتمد على مؤسسات عامة تدير مرافق متخصصة وتتمتع بالاستقلال المالي والإداري. هناك عدد كبير من المؤسسات العامة لا سيما الاستثمارية كمؤسسات المياه والكهرباء والضمان الاجتماعي ومصرف لبنان وسواها ومعظمها يعاني من مشاكل مالية وإدارية وتنظيمية وتتكل في تأمين إيراداتها على القروض والسلف وتمويل الوزارات ذات الوصاية عليها مما يجعلها عئباً على الدولة بدل أن تكون مستقلة وقادرة على تحقيق أرباح مقبولة.



ج- ولا بد من الإشارة إلى نوع فريد من اللامركزية في لبنان يمكن أن نطلق عليه عبارة اللامركزية الدينية أو الطوائفية أو المذهبية، قانون الأحوال الشخصية الصادر في العام 1936 يعطي لكل مذهب سلطة إقرار قانونية لجهة الزواج والطلاق والإرث والبنوة، كما إن الدستور اللبناني يعطي لكل طائفة من خلال رئيسها إمكانية أن ترى أي قانون يؤثر سلباً على صلاحياتها أو على دورها في الحياة العامة.



الفدرالية المقنعة غير القانونية في لبنان

منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 يرى فريق من اللبنانيين أن الحل الأنسب لمعالجة الأزمات السياسية المتلاحقة يكمن في إقرار نظام فدرالي يراعي المكونات الطائفية، في حين أن هناك فريقاً آخر يعتبر أن مجرد طرح هذا الأمر هو قضاء على العيش المشترك وتقسيم يؤدي إلى عداوة دائمة ومزيد من الصراعات بين هذه المكونات. والحقيقة أننا نعيش فدرالية مقنعة في لبنان من خلال إدارة المخيمات الفلسطينية وإدارة النزوح السوري.



فعلى مستوى إدارة المخيمات الفلسطينية، هناك دائرة في وزارة الداخلية والبلديات تعنى بشؤون اللاجئين وهناك صلاحيات محددة للقوى الأمنية. لكن فعلاً إن المخيمات الفلسطينية لا سيما ذات الكثافة السكانية العالية تعيش حالة من الاستقلال الكامل وتتم إدارتها من خلال لجان شعبية والمجلس الفلسطيني المشترك والقوى العسكرية الفاعلة بداخلها ولها حدود خاصة بها ومسلحون يحمون هذه الحدود وهناك نشاطات تجارية تتم ممارستها تحت إشراف جهات مختصة غير لبنانية، كما تؤمن الأونروا وسواها من منظمات إغاثية تأمين خدمات متخصصة يستفيد منها سكان المخيمات من دون أن يكون للدولة اللبنانية أي سلطة إشراف أو وصاية على كل المؤسسات الداخلية والدولية التي تعمل في المخيمات.



وعلى مستوى إداري النزوح السوري، هناك عدة مخيمات تضم أكثر مليون وخمسمائة ألف لاجئ وتتم إدارتها من قبل مفوضية اللاجئين



ومنظمات دولية أخرى في لبنان التي تمول هذه المخيمات وهي صاحبة القرار الوحيد بشأن تحديد عدد اللاجئين والمساعدات النقدية الشهرية وتأمين الخدمات علماً أن الدولة اللبنانية تتحمل نفقات الكهرباء والمياه وسواها التي لا يتم تسديدها بصورة منتظمة. مفوضية اللاجئين تعمل بصورة مستقلة وترتبط مباشرة بالأمم المتحدة والدول المانحة من دون أن يكون للدولة أي سلطة إشراف أو وصاية عليها.



الكونفدرالية المقنعة غير القانونية في لبنان

هناك كونفدرالية مقنعة في جنوب لبنان، الحدود الجنوبية يديرها في الوقت الحاضر وقبل إقرار الية تنفيذ القرار 1701 "حزب الله" الذي يملك قدرات ومؤهلات قتالية عالية كما هو ظاهر علماً ان الدولة اللبنانية كانت تتفاوض باستمرار لأشهر طويلة لإنهاء الحرب مع الجهات الدولية الفاعلة لكن من الواضح أن قرار الحرب والسلم لم يكن تحت سلطة الدولة خلافاً للنصوص الدستورية النافذة في هذا الصدد، بل هناك حزب مسلح تولى هذا الأمر وبالتالي فإن جيش الدولة اللبنانية وعلاقات الدولة الخارجية وحتى حدود هذه الدولة البرية والبحرية بقيت رهن النتائج المترتبة على حرب "حزب الله" مع العدو الإسرائيلي وبالنتيجة تجربة لبنان مع اللامركزية الإدارية والمرفقية والدينية ومع الفدرالية المقنعة ومع الكونفدرالية المقنعة موجودة ومستمرة منذ فترة طويلة، لكن هذه التجربة ليست بالضرورة ناجحة والدليل على ذلك حالة الانهيار الدائم الذي نعاني منه نقدياً ومالياً واقتصادياً

واجتماعياً وأمنياً وعسكرياً.



المطلوب في العهد الجديد تطبيق الدستور اللبناني بحذافيره وإقرار اللامركزية الموسعة وإلغاء الفدرالية والكونفدرالية المقنعة بما يؤمن حالة أمنية مستقرة وخدمات للمواطنين أقل كلفة وأكثر جودة وبداية حلول لكافة الأزمات التي ما زالت تتفاقم منذ سنوات طويلة من دون بريق أمل للتخفيف منها أو لوضع حد لها.