أمجد اسكندر

إذا وقف جوزاف عون على شرفة القصر

يملك جوزاف عون ونواف سلام ورقتين رابحتين هما «المزاج الشعبي» و»الدعم الدولي والعربي». يضاف إليهما إرادة القوى السياسية التي تريد أن ينجح العهد حيث فشلت عهود وحكومات. «المزاج» سريع العطب، و»الدعم» له حسابات وشروط. على المدى الطويل ما يُعوَّلُ عليه هو الإرادة السياسية للقوى والأحزاب الداعمة. المسألة أبعد من حقيبة وزارة المال، في الواقع هي معركة من يصر على إيقاف عقارب الساعة، ومن يريد المضي قُدُماً على دروب قيام دولة عصرية. فعلى جري العادة، ومنذ 2005، هذا «الثنائي» عند كل استحقاق، يُعطِّل ويُعرقِل ويُؤخِّر. يغيب عن البال عند تحليل مواقف «الثنائي» وبخاصة «حزب الله»، أن الغيبيات الدينية تحكم مساره السياسي. لا يوجد في معتقده موالاة ومعارضة، فهو ليس حزباً بل «أمة». لذا لكل استحقاق «تكليف» لا تحول دونه مقتضيات الدستور. وإذا كان فؤاد شهاب بجوزاف عون يُذكر، فلا بد من إيراد الآتي:

- حاز شهاب دعماً ثنائياً من الشرق الممثل بعبد الناصر والاتحاد السوفياتي والغرب الممثل بالولايات المتحدة، أما عون فدعمه أُحادي وآتٍ من الغرب و»عرب الازدهار والسلام». الشرق الممانع والممثل بإيران لم يكن راضياً بانتخابه، ومن اللافت أن موقف روسيا جاء بارداً إذا قورن بالموقف الأوروبي.

- يتميز عون عن شهاب بـ»المزاج الشعبي»، فطوال عهدين شهابيين (فؤاد شهاب وشارل حلو)، بنى شهاب ائتلافاً من قوى سياسية عابرة للطوائف لكنها لم تجيِّر له قواعدها. وعندما حاول «المكتب الثاني» أن يبني قاعدة «شعبية» خاصة، اعتمد في بعض المناطق على «قبضايات الأحياء» ما زاد في تعريض شهاب للسهام.

- لا شك أن نجومية الإمام موسى الصدر بدأت في ظل الشهابية. كان هناك نوع من تأديب خفي لزعماء شيعة عارضوا شهاب. يُقال الكثير في مدح الصدر وقليلاً ما يُقال إنه أول رجل دين خاض بالسياسة، على أوسع مدى، وإن من باب مظلومية طائفة وحرمانها. وكل ذلك بدأ في ظل الشهابية.

- بدأ عون عهده بـ»شيعية سياسية» بعيدة عن المسار الذي سلكه الصدر قبل أن يُختطف في ليبيا. والدليل أن شريكه في تأسيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الإمام محمد مهدي شمس الدين، قَدَّم في «وصاياه» وصفة وطنية بامتياز لدور الشيعة في الدولة. وهذا يعني أن ارتياح العهد الشهابي مع الصعود السياسي للصدر ليس متاحاً اليوم.

المراد من هذه الإشارات أن ما ينتظر عهد عون يفوق التحديات التي واجهها شهاب. قبل عام 1975، كان جمر الأزمات تحت الرماد، وإلى يومنا هذا لم تحل إشكالية سياسية واحدة. غادر شهاب القصر وعمره 62، ودخله عون بعمر 61. قال شهاب عند انتهاء ولايته «سأعيش بعيداً عن كل شيء، لقد جاء دوري للوقوف على الشرفة كي أتفرج بعد أن طال عملي السياسي». المشكلة أن عون إذا خرج إلى شرفة قصر بعبدا سيجد دولة تضاعفت تعقيداتها بحيث لا يمكن أن يحسده أبداً فؤاد شهاب، رغم كل المرارة التي حملها من تجربته السياسية.