بشارة جرجس

مشهد عودة بعض أهالي الجنوب اليوم: حقّ يراد به باطل وحقّ يجب أن يتحقق عبر الدولة

لا نقاش في أحقية أبناء الجنوب بالعودة إلى أراضيهم ومنازلهم. هذا حقّ طبيعي لا جدال فيه، لكن "العودة" بالطريقة التي شهدناها اليوم تحمل في طياتها أهدافاً أخرى تُسيء لهذا الحق وتستغلّه لتحقيق غايات لا تصبّ في مصلحة الناس.



ما حدث اليوم يمكن قراءته كخطوة يائسة من "حزب الله"، الذي يواجه إفلاساً على كل الأصعدة — إنها محاولة للهروب إلى الأمام من غضب بيئته التي منحتْه ثقتها لكنه خذلها مراراً وتكراراً.



يتذرّع محور الممانعة بغياب الدولة لتبرير خطواته، كما شهدنا اليوم، متجاهلاً انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس جديد بتشكيل الحكومة ملتزم بإعادة الإعمار وتحرير الأراضي.


هذا المحور يُفضّل الانقلاب على ما ورد في خطاب القسم وكلمة الرئيس المكلّف، وجرّ البلاد نحو مغامرات باتت أهدافها مكشوفة — ليس من المنطقي أن يشتكي من لا يزال مسلّحاً جنوب الليطاني وشماله من عدم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، بينما يطالب الدولة بتحمّل مسؤولياتها!


كِلا الطرفين، "حزب الله" والإسرائيلي، أخلّ بالاتفاق، وعلى الدولة، عبر حكومة جديدة، أن تتولى إدارة هذا الملف بمسؤولية، بعيداً عن الشارع الذي حاول "حزب الله" اليوم استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية قصيرة الأجل. فالتجارب السابقة لتدخلاته في ملفات ليست من صلاحياته أدّت دائماً إلى نتائج كارثية.



ما شهدناه اليوم ليس إلا محاولة جديدة من "حزب الله" لفرض نفسه كلاعب أساسي في جميع الاستحقاقات، فالرسالة واضحة: إما التعامل معي كرقم صعب، أو أحَرّك الشارع، حتى لو أدى ذلك إلى سقوط ضحايا، سواء عبر الإسرائيلي أو بسبب أخطاء داخلية.



هذا الابتزاز، دفع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف إلى إصدار مواقف داعمة للجيش ومؤكدة على الالتزام بإعادة الإعمار. مواقف تُعوّل عليها شريحة واسعة من اللبنانيين المؤمنين بالدولة ومؤسساتها — فلبنان لم يعد يحتمل انتصارات وهمية والمطلوب جهود جديّة ومساعٍ رسمية ودبلوماسية لتطبيق ما ورد في خطاب القسم وكلمة الرئيس المكلّف، بما يشمل تحرير الأراضي واستعادة الحقوق.


هذا المسار لا يمكن أن يُدار من قبل مغامرين بأرواحهم وأرواح الآخرين، ما يعقّد الحلول بدل تسهيلها. نواب "حزب الله" اليوم، أدلوا بخطابات الانتصار و”كسر” الإسرائيلي، لكن، كما في كل مرة، يبقى الكلام للاستهلاك الداخلي، ثم تبدأ جوقة الاتهامات والشكوى—يلومون الدولة، والناس، ويحاولون الظهور كضحايا!



نعم هم ضحية خياراتهم الانتحارية. وإذا لم تستخلص هذه البيئة العبر، فإن المستقبل ينذر بمزيد من التعقيدات على المشهد السياسي اللبناني. والخوف هو أن يغرق العهد الجديد في هذه التعقيدات بدل مواجهتها بشجاعة للعبور نحو دولة المؤسسات.



النقطة الإيجابية الوحيدة اليوم، هو إدارة الجيش اللبناني للحدث بحكمة عالية لتجنّب تصعيد أكبر. لكن يبقى على الأطراف التي تحرّك الشارع أن تتعلم من الجيش ومن الرؤساء الجدد كيف تُدار الأزمات بمسؤولية. لبنان اليوم في أمسّ الحاجة لهذه الحكمة لتجنّب مزيد من التوترات والانزلاقات.