بعض الجهات التي ترفع علم الدفاع عن الحقوق النقابية وحرية الرأي والإعلام، إنما في الحقيقة تناقض القواعد الأساسية للمفاهيم التي تدعي أنها تدافع عنها، وهي الشمولية والمساواة وعدم التمييز. بحيث أن هذه الجهات نفسها لم تنبس ببنت شفة عند تعرض الكثير من الإعلاميين وأصحاب الرأي والمفكرين من غير المحسوبين على اليسار أو على محور الممانعة، للتضييق والإضطهاد والملاحقة وفبركة الملفات بغية كبت حريتهم وإسكات رأيهم.
فلم نشهد هذه الجهات تشن الحملات الواسعة أو تسخّر جهودها للدفاع عن يوسف الخوري حين تعرض للملاحقة، ولا عن ابراهيم مراد، أو بيتر جرمانوس، أو شارل شرتوني، أو طوني بولس، أو رامي نعيم، ولا حتى عن مريم مجدولين لحام حين تعرضت هي الأخرى للإضطهاد من قبل المحور التابع لإيران، ولا عن ليال الإختيار ضمن السياق ذاته، واللائحة تطول.
وإذ بالكاد تجد ذكراً لخبر عرضي فيما يخص التعرض لفريق إعلامي تابع لمحطة الـ MTV في قرية ريفية، على حساب التغاضي السافر عن الحملة العتية والإستهداف المنهجي الذي كابدته هذه المحطة في السنة الأخيرة بغية إسكاتها.
حيث أن البيانات الإعلامية الصادرة عن هذه الهيئات تحت عنوان شجب لغة التخوين والاعتداءات على الفرق الإعلامية، ما إن تتوسع في متنها حتى تجدها كناية عن مضبطة اتهام بحق الإعلاميين مع إعطائهم التوجيهات بمراعاة مشاعر الأهالي، والانضباط ضمن الروح الوطنية، مع منح التبرير المبطّن للاعتداء عليهم بذريعة الشحن جراء الحرب وحيث قد وصل الأمر إلى حدّ وضع الأغلال على أفكار الصحافيين وتحذيرهم بعدم تبرير جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل. إذ نادراً ما تعمد هذه الجهات إلى تسمية حزب الله بشكل مباشر بغية تحميله أية مسؤولية كانت، بينما تنبري في المقابل لإدانة إسرائيل بشكل تلقائي.
حيث إذا ما قيد لنا مقاربة شبهة جرائم الحرب في ما يعني الأعمال القتالية التي شهدها لبنان بعد عملية طوفان الأقصى، ولا سيما بالنسبة لما طال منها الصحافيين، فنجد دلالتها تلقى على عاتق الطرفين المتحاربين سوياً، أي "حزب الله" وإسرائيل، كل منهما بالنسبة لمسؤوليته الجنائية عن الخروقات الجسيمة التي ارتكبها في ما يعني القانون الإنساني الدولي، ولا يمكن تنزيه أي طرف على حساب الآخر وإلا افتقدت المقاربة للموضوعية، والنزاهة، والمعيار العلمي والقانوني. لا بد، هنا من تفنيد بعض المغالطات التي انتشرت مؤخراً بغية الترويج لقضية ما على حساب الأسس المنهجية التي ينبغي أن تؤسس عليها الحريات الإعلامية والنقابية في الجوهر. فالبعض قد ارتأى أن "الصحافيين" حصراً هم من لا يجوز التحقيق معهم بواسطة الضابطة العدلية، بل فقط بواسطة قاضي التحقيق إن لزم الأمر قبل إحالة القضية أمام محكمة المطبوعات.
فهذا القول فيه اجتزاء خطير من شأنه أن يضرب شمولية العدالة، ويستغرب صدوره عمن يدعي الدفاع عن الحريات الإعلامية، حيث أن قانون جرائم المطبوعات ينص بوضوح أن كل قضايا المطبوعات يمنع التحقيق فيها من قبل الضابطة العدلية، سواء كانت الملاحقة تطال صحافياً أو غير صحافي، وكذلك يسري الأمر بالنسبة لمنع التوقيف الاحتياطي أياً كانت صفة الملاحق. وكي لا نضيع في زغل القضايا المضخمة، نطرح اعتماد معيار بسيط ولكنه لاذع كي يتم الفصل بين المناضلين الحقيقيين في سبيل حرية الرأي عن زؤان ملتحفي المبادئ ومستنفعي الإيديولوجيات، وقوامه أنه من ارتضى بفتوى الخميني بقتل سلمان رشدي لا يستحق شرف الادعاء بالدفاع عن حرية الفكر والإعلام.
(*) محامٍ وباحث في مجال حقوق الإنسان والفدرالية