على أي مرتكزات يستند حزب الله والرئيس نبيه برّي في سلوكياتهم الحالية، رغم أن برّي يدرك تماماً المتغيرات ويقرأ التطورات بدقة، ومع ذلك، لا يزال يصطدم بالمسار المرسوم بوضوح — مسار لا مكان فيه لمنطق الممانعة أو لمَن يعاكس تيار الإصلاحي الجديد، وتنفيذ القرارات الدولية.
فإدارة ترامب لم تشهر سيفها بعد في الشرق الأوسط، ولم تضع استراتيجيتها موضع التنفيذ الكامل، لا سيما في ما يتعلق بإيران ومحورها في المنطقة. فهل يدرك الشيخ نعيم قاسم ونبيه برّي أن الوقت يضيق، وأن هامش المناورة يتقلّص، وأن لا خيار أمامهما سوى الامتثال – نعم، الامتثال – لمنطق الدولة، الدستور، والمؤسسات؟ فلقد سئم اللبنانيون، كما الإقليم والدول الغربية الفاعلة، من عقلية "التشاطر" التي استُهلكت حتى آخر أوراقها.
وحده هذا الثنائي يجنّ جنونه كلما حاول أي فريق فرض احترام القوانين والدستور بعيداً عن معادلة الحصص التي أرساها. والضغوط الأخيرة التي مورست على الرئيس المكلّف نواف سلام خير دليل على ذلك، حيث حاول حزب الله استدراج الشارع لترهيبه ودفعه إلى تشكيل حكومة وفق مقاسه، لكنّ هذه العراضات جاءت بنتائج عكسية، وأثارت استياء اللبنانيين، بمن فيهم شريحة واسعة من الشيعة غير المنضوين تحت عباءة الحزب.
حزب الله اليوم في حالة إفلاس سياسي وشعبي غير مسبوقة، ومع ذلك، لا يزال نعيم قاسم يناور ويعاند، كمن يرفض التسليم بأن القواعد قد تغيّرت. النصيحة الوحيدة التي يمكن تقديمها لهذا الفريق في هذه المرحلة: فليقعد جانباً ويحاول حماية ما تبقّى من رأسه، أو يمارس دوره كمعارضة ضمن سقف الدستور والقوانين. أما نهج العرقلة، الترهيب، وتهديد القضاء والمؤسسات الأمنية، فقد ولّى إلى غير رجعة، وكل من يعيش في حالة إنكار سيتكفّل التيار الجارف بابتلاعه.
على المستوى الاستراتيجي، مسار إدارة الدولة قد حُسِم، ولم يعد هناك مكان للممانعة أو لأجندتها على مستوى الـ"ماكرو". أما على مستوى الـ"ميكرو"، فقد تَبَقى للحزب مساحة هامشية ضمن التفاصيل اليومية، لكنه لن يكون قادراً من خلالها على تبديل الاتجاه العام. فالقرار اتُّخذ داخلياً، اقليمياً ودولياً، ومن يرفض الاعتراف به، لن يكون سوى ضحية زمن لا يرحم المتخلّفين عن ركب التحولات.