خضر حلوة

دور السنة من الشيخ محمد الجسر إلى الدكتور نواف سلام

قد يكون من المفيد التذكير بالدور التاريخي للسنة في لبنان منذ إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920. هذا التذكير الذي يعرفه كثيرون من الأجيال الكبيرة عُمرياً، موجّه إلى الأجيال الشابة والمتوسطة العمر، للقول إنه وفي عزّ النفوذ الفرنسي والانتداب في سوريا ولبنان كان الشيخ محمد حسين الجسر رئيساً للمجلس النيابي منذ عام 1927 حتى 1932، حين كان شارل دباس، الأرثوذكسي، أوّل رئيس للجمهورية، معيّن من قبل الانتداب الفرنسي.


وكان آنذاك التوجه إلى إعطاء الموارنة منصب رئاسة الجمهورية، حين بدأ الصراع السياسي بين الرئيس إميل إدّه المدعوم من فرنسا، وبين الشيخ بشارة الخوري المدعوم من البريطانيين. هذا الصراع أفضى إلى تكتّل سياسي متنوع الطوائف في المجلس النيابي يلتف حول ترشيح وانتخاب الشيخ محمد الجسر بشبه إجماع لرئاسة الجمهورية، إلا أن المفوض السامي الفرنسي آنذاك، هنري بونسو، رفض هذا الخيار بناءً لوعد أعطاه للبطريرك الماروني بأن رئاسة الجمهورية ستكون للموارنة.


لكن الشاهد في الموضوع أن السنة كانوا حاضرين بحيوية في عملية مأسسة الدولة منذ بداياتها، رغم اعتراض شريحة كبيرة من وجهاء المدن وأعيانها، أي النخب حينذاك، وفي ظل رغبة جماهيرية واسعة بالوحدة مع سوريا، وفق المفهوم المتخيل للعروبة في تلك الحقبة، والذي لا نزال نعاني بعضاً من إرهاصاته.


يمكن القول إن الشيخ محمد الجسر عبّد الطريق أمام لبننة السنة تباعاً. وفي الثلاثينات، عهد رئيس الجمهورية، إميل إدّه، بمنصب رئاسة الحكومة إلى خير الدين الأحدب. ومذّاك بدأ الدخول الفعلي للسنة ضمن آليات الدولة، وخصوصاً السلطة التنفيذية، حيث توالى على منصب رئيس الوزراء أبرز الزعماء السنة الذين لعبوا أدواراً مختلفة في نهضة الدولة، وأبرزهم:


رياض الصلح، تقي الدين الصلح، صائب سلام، عبد الحميد كرامي، عبد الله اليافي، رشيد كرامي، سامي الصلح، حسين العويني، شفيق الوزّان، سليم الحص، رفيق الحريري، فؤاد السنيورة، سعد الحريري، نجيب ميقاتي. واستلمها استثنائياً مارونيان هما الرئيس فؤاد شهاب، والرئيس ميشال عون، لأسباب سياسية – أمنية، ولتجنب الفراغ في السلطة.


وبشكل عام كان رؤساء الحكومات إما من العاصمة بيروت وإما من طرابلس أو صيدا، حيث تشكل المدن الثلاث كبرى الحواضر ذات الثقل السني والسياسي في آن معاً.

أمّا وقد رست اليوم على شخصية أكاديمية - حقوقية - دبلوماسية رفيعة، القاضي نواف سلام الذي يتحدّر من أسرة سياسية عريقة وضعت بصمتها في تاريخ لبنان، وأدارت الحكومات بأداء صارم ووطني، ولها تأثير كبير في القواعد الشعبية، فيبقى القول إن الدور السني في تأسيس لبنان منذ الشيخ محمد الجسر حتى الرئيس المكلف نواف سلام الذي تم تكليفه بقوة التغيير ونفَس التغيير الذي كان هو جزءاً  منه، هو دور تاريخي ومؤثر وصلب، بما يجعل من دور الرئيس المكلف استثنائياً، خاصةً وأن الدعم الشعبي واسع، وكذلك الخارجي بدءاً من الدول العربية إلى الأوروبية وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية. وهذه كلها عناصر قوة تعينه وتدفعه إلى حسم التكليف بما يرضي من زكّاه ومن دعمه ومن اختاره، واستعادة قوة الدور السني وفعاليته ضمن هيكلية مؤسسات الدولة، بالتكاتف مع سائر الطوائف، وبالدرجة الأولى مع الموارنة.



*سفير سابق