سؤال برسم ممثلاتنا اللّبنانيات الكبيرات قدراً وقيمةً وسناً. إبرة "بوتوكس" تمحو تجاعيدكنّ وتعيدكنّ 10 سنوات إلى الوراء. هل يمكن أن تعددنَ للعشرة قبل استخدامها؟ لا، لن تعددنَ.
حقنة "فيلر" من مادة "هيدروكسيلابتيت الكالسيوم" أو حمض "الهيالورونيك" أو دهون الجسم، تملأ بشرتكنّ وتشدّها وتعيدكنّ شابّات. هل تتمهّلنَ قبل استعمالها؟ لا، لن تتمهّلنَ.
مادة غريبة تساعدكنّ على تغيير ملامحكنّ، وتعيد من لامسنَ خريف سن الستين إلى زهوة ربيع العشرين، وتعِدكنّ بنسخة شباب دائم. هل تتردّدنَ قبل حقن أنفسكنّ بها؟
ديمي مور لم تتردّد، فكانت النتيجة رائعة ومريعة… نعم، بإمكان مادة واحدة أن تكون في الوقت ذاته، رائعة ومريعة، جميلة وبشعة، مبهرة وقاتمة، مبتكرة ومكرّرة، ملهمة وصادمة. أهلاً بكنّ يا ممثلاتنا الرائعات إلى عالم فيلم "The Substance" (المادّة)، المصنّف ضمن فئة أفلام الخيال العلمي والرعب الجسدي، من تأليف وإخراج الفرنسية كورالي فارغيت، وبطولة كلّ من ديمي مور، ماغريت كوالي ودنيس كوايد.
يروي الفيلم قصة إليزابيث سباركل، نجمة "أيروبيك" تلفزيونية في الخمسينات من عمرها، قرّرت المحطة استبدالها بشابة عشرينية. إليزابيث ستخاطر من خلال استخدام مادة غريبة، ستصنع منها نسخة أخرى أكثر شباباً. الشرط الوحيد لنجاح المادة هو أنّ النسخة الشابة ستخرج إلى الحياة لمدة أسبوع، ثم تليها النسخة الأصلية، وهكذا تباعاً.
مشاهد صادمة
هذه "المادة"، ولتسمع جيّداً نجماتنا اللبنانيات، لن تجعل ديمي مور تستعيد فقط شباب نجمة خمسينية ستستخدمها غير آبهة بالمخاطر الكارثية التي تنتظرها، وتنتظر كل من يتلاعب بالزمن، وكل من سيشاهد فيلم الرعب هذا بمشاهد صادمة لعملية استنساخ ستنتهي على هيئة مسخ.
هذه "المادة" ستُمكّن ديمي مور التي تبلغ سنّاً هو الأخطر والأبشع حسب حبكة الفيلم ونظرة المجتمع الاستهلاكي، من الفوز بجائزة "غولدن غلوب" لأول مرة في حياتها، ومن الحصول على ترشيح إلى "الأوسكار" (أتوقع فوزها به) وأيضاً لأول مرة في حياتها.
معركة العمر
برأيي، كلّ هذا الاعتراف والنجاح والفوز الذي تحقّقه ديمي مور، هو صدمة إيجابية أكبر بكثير من صدمة مَشاهد الفيلم العنيفة إلى درجة لم يتحمّلها عدد كبير من المشاهدين، فخرجوا من صالات العرض في الولايات المتحدة. كيف لا، وبطلة الفيلم الستّينية تفوز في معركة العمر تحديداً، من خلال فيلم يدور حول رعب المرأة من التقدّم في العمر، وهو واقع تعانيه معظم النساء العاملات تحت أضواء الشهرة والفن والاستعراض، ونظرة شركات الإنتاج، ومجتمع تتحكم به وسائل تواصل تمجّد الصورة النمطية الملمّعة للجمال على حساب صورة مجعّدة تحتاج إلى كيّ.
الفيلم يطرح سؤالاً مهمّاً جدّاً: إلى أي حدّ يمكن أن تصل المرأة في سبيل المحافظة على صورة مموّهة عنها وعن حقيقتها وحياتها المرسومة على وجهها وجسدها، مقابل إرضاء معايير جمالية اجتماعية وتسويقية لا ترحم؟
إرضاء شركات الإنتاج
نعلم أنّ إرضاء شركات إنتاج مبهورة بمفهوم الشباب للاستمرار، تجبر الممثلة عادةً، في كلّ زمان ومكان، على المبالغة في "شبشبة" صورتها وكيّ كل تجعيدة هي شاهد على حياتها ومعايشاتها ونجاحها وفشلها وابتساماتها ودموعها وجروحها. لكن حان الوقت لتقولي "كفى" و "خلص"، أيتها الممثلة لمؤسسات لا تأخذ بعين الاعتبار خبرة النجمات وتجاربهنّ وموهبتهنّ وجمالهنّ في كل عمر، بقدر التركيز على الشباب. إنما قبل أن تقولي كفى لتلك السياسات، قولي لنفسك إنّ ديمي مور التي كانت نجمة التسعينات وشابة الشابات، لم تفز بأي جائزة قيّمة إلا… في سن 62!
انطلاقاً من كلّ ما سبق، أقول شكراً للكاتبة والمخرجة كورالي فارغيت التي أضاءت على معاناة المرأة بشكل عام والنجمة بشكل خاص في فيلم "المادة"، الصادم بشكل إيجابي رغم قساوته. وأنا ومثلي كثر بانتظار كاتباتنا اللبنانيات الرائدات في طرح شؤون المرأة وشجونها في كل عمر، فهنّ أيضاً عليهنّ قول كفى لأي تهميش لدور المرأة. فعمر الـ 50 وما فوق ليس بعبعاً. ومع احترامي وحبّي ليسرا وميريل ستريب وديمي مور وغيرهنّ من نجمات العرب والعالم، هنّ لسنَ أهم من رلى حمادة وكارمن لبّس وتقلا شمعون ورندة كعدي وورد الخال ونوال كامل وإلسي فرنيني وجوليا قصّار... واللائحة تطول وتطول وتطول لتشمل 50 ممثلة فوق الـ 50!