الياس دمّر

ترشيحات "الأوسكار" تُشعل السّجال السّياسي في هوليوود والعالم

إلامَ تهدف "الأكاديميّة" بمنح "Emilia Pérez" ترشيحات قياسيّة؟

ما إن أعلنت "الأكاديميّة" نتائج ترشيحات "الأوسكار" للدّورة 97 منذ أسبوع ونيّف، حتّى انطلقت التّحليلات والتّرجيحات وتفجَّرت معها تعليقات مواقع التّواصل الاجتماعي التي لا تزيد ولا تؤخّر التّقدير الفنّي للأعمال المُرشّحة أو حتّى لترجيح كفَّة المؤهَّلين لنيل الجوائز. فالقرار يعود لأعضاء "الأكاديميّة" والبالغ عددهُم المُتزايد سنويّاً، 9905 أصوات ناخبة، شاملةً المزيد من الجنسيّات والفئات المُهمَّشة سابقاً!

كما أصبح مُتداولاً، حطَّم فيلم "Emilia Pérez" الرقم القياسي لأكبر عدد من ترشيحات "الأوسكار" التي حصل عليها فيلم غير ناطق باللغة الإنكليزية في تاريخ ترشيحات المسابقة العالمية، مُتخطّياً حتّى بثلاثة ترشيحات الفيلم التايواني "Crouching Tiger, Hidden Dragon" عام 2001 والفيلم المكسيكي "Roma" عام 2019. وتدور أحداثه حول رجل عصابات شهير بأعماله الاجراميّة في المكسيك، يُقرّر الخضوع لعمليّة تحوّل جنسي تاركاً حياة المافيا والعنف والفساد خلفه... ضمن خلطة دراميّة تشويقيّة بنكهاتٍ موسيقيّة.



الفيلم قد يُخاطر بتقليص أهمية قضايا حسّاسة في المكسيك




تقدير هجوم وشرخ

قبل "الأوسكارات"، حظي الفيلم ومخرجه الفرنسي Jacques Audiard بإشادة واسعة من العديد من النُقَّاد العالميّين، بعد أن بدأ مشواره السّينمائي في "مهرجان كان" الأخير حاصداً جائزتيْ "لجنة التحكيم" وجائزة "أفضل مُمثّلة" التي مُنحت استثنائيّاً للمُمثّلات الأربع الرئيسيّات في الفيلم... إلى أن فاز مؤخّراً بأربع جوائز "غولدن غلوب" بما فيها "أفضل فيلم موسيقي أو كوميدي" و "أفضل فيلم بلغة غير الإنكليزية"، كما ترشَّح إلى 11 "جائزة بافتا" بريطانيّة، واللّائحة تطول بين جوائز وترشيحات عالميّة.


نتيجة كل هذا التَقدير، بدأ البعض يُشير إلى أنّ الفيلم قد يُخاطر بتقليص أهمية قضايا حسّاسة للغاية في المكسيك، مثل ملفّات المفقودين والجرائم المُنظَّمة والكارتيلات... إلى أن تزايدت مؤخّراً ردود الأفعال الغاضبة حول استخفاف الفيلم بهذه الأبعاد، خاصّةً تلك القادمة من المُجتمع المكسيكي عبر شتّى مواقع التّواصل الاجتماعي. ولعلَّ ما صرَّحت به نجمة اليوتيوب المكسيكيّة Gaby Meza، صاحبة أكثر من مليون مُتابع عبر منصّتها، يُلخّص كيف يُنظر إلى الفيلم في المكسيك، على أنّه، وفق تعبيرها، "استغلال لمأساة حاليّة بغية صناعة مُنتج ترفيهي". وأتى بعض الرّدود من المُجتمع السّينمائي نفسه، حيث أدلى المصور السينمائي الشهير Rodrigo Prieto (صاحب 4 ترشيحات للأوسكار)، أنّه وجد من الإشكالي لفيلم مثل "Emilia Pérez" ألّا يتمّ تصويره في المكسيك (تم التصوير في ستوديوات "Bry-sur-Marne" الباريسيّة)، وألّا يُشارك أي مكسيكي في إنتاجه.


اعتذار Audiard

وفي مُقابلةٍ حديثة مع قناة "CNN"، اعتذر المخرج Jacques Audiard عن فيلمه بعد موجة صاخبة من الانتقادات، موضّحاً أنّ الفيلم عبارة عن أوبرا وبالتالي ليس واقعيّاً، مضيفاً: "إذا كانت هناك أشياء تبدو صادمة في "Emilia Pérez"، فأنا آسف... السّينما لا تُقدّم إجابات، بل تطرح الأسئلة فقط. ولكن رُبّما تكون الأسئلة في الفيلم غير صحيحة". لترافقه أبرز المواقف الدّاعمة، حين دافع عنه المخرج المكسيكي المُبدع Guillermo del Toro ووصفه بأنّه "أحد أكثر صُنّاع الأفلام المذهلين على قيد الحياة اليوم".


للتّذكير، يُعدّ Audiard أحد أهم المخرجين الفرنسيين، ومن بين أفلامه الحائزة على جوائز عالميّة "De battre mon coeur s'est arrêté" و "Un prophète" و "De rouille et d'os"... وتجدُر الإضاءة على فوزه بجائزة "السعفة الذهبية" في "مهرجان كان" عام 2015 عن فيلم "Dheepan"، وهو دراسة عن المهاجرين السريلانكيين في ضواحي باريس، ما يؤكّد تفوّقه في إبراز قضايا إنسانيّة عن مُجتمعات غير فرنسيّة، عبر لغةٍ سينمائيّة تُحاكي المُشاهد العالمي وتكسب تعاطفه.


هل أطاحت بلاغة الاستياء بمنطق المواجهة؟

عند مُشاهدتي الفيلم، لم أجده مُطلقاً يُقلّل من أهميّة الواقع المرير في الداخل المكسيكي - الذي يشهد ما يقرب من 30 ألف جريمة قتل سنوياً وأكثر من 100 ألف شخص في عداد المفقودين - بل اتّخذه محوراً أساسيّاً وغير مُتكلّف في سبيل تطوير إحدى الشّخصيّات الأساسيّة. ولم يبدُ مُقنعاً تصريح إحدى منظمّات الدفاع عن حقوق مُجتمع "LGBTQ" أنَّ الفيلم  "تصوير رجعي لامرأة متحوّلة جنسيّاً"، لأنَّ الفيلم يُغنّي قصيدة حالمة لواقع شبه مُستحيل ويزرع أملاً في أرضٍ قاحلة، في وقت كثُرت فيه الأفلام التي تُعاني مُخيّلة صانعيها من الانكماش والجفاف، ناهيك عن المحتوى الذي يدّعي التّعاطف الرنّان في سبيل كسب "اللايكات" وحجّة نشر الوعي المجتمعي!


ونسأل المُجتمع المكسيكي المُنتفض ضدَّ هويّة مُخرج الفيلم الفرنسي، أيجوز أن ننسى عشرات "الأوسكارات" الممنوحة خلال السّنوات العشر الأخيرة لأفلام المُخرجين المكسيكيّين البارعين من Alfonso Cuarón و Alejandro González Iñárritu و Guillermo del Toro، مع العلم أنَّ كل أفلامهم الفائزة (باستثناء "Roma" لـ Cuarón) تحمُل روايات ذات خلفيّة أميركيّة بحتة؟ أضف إلى عبثيّة هذا التّناقض، أنَّ تلك الجوائز مُنحت خصّيصاً في العهد الأوّل للرّئيس الأميركي دونالد ترامب، والمعروف بتشييده الجدار الفاصل الشهير بين الولايات المُتّحدة والمكسيك، وذلك لما تحمله من رسائل مناهضة لسياسته.


أيجوز حتّى اليوم ضغط زرّ التنبيه حول هويّة المُخرج - المؤلّف لخدمة مواقف سياسيّة مُعيّنة، بغض النّظر عن مدى براعته ونجاح أعماله؟

لقد اعتدنا هذه المواقف في وطننا لبنان أيضاً، عندما قام البعض-المُدّعي، باتّهام المُخرج الرّاحل مارون بغدادي بأنّه حاكى واقع الحرب اللّبنانيّة بعين غريبة في فيلم "Hors La Vie" عام 1991 والذي حقَّق آنذاك إنجازاً تاريخيّاً بكونه أوّل مُخرج لبناني يفوز فيلمه بجائزة "لجنة التحكيم" في "مهرجان كان السّينمائي الدولي"، أو عندما وصلت الوقاحة لدى بعض الأقلام المأجورة بتخوين وتوقيف المُخرج زياد دويري من خلال فيلميه الأخيرين "The Attack" و "قضيّة رقم 23".

وبالحديث عن مخرجينا اللّبنانيّين الذين نعتزّ بهم، أينبغي علينا كلبنانيّين أن نغضب بالمُقابل من السّينما اللّاتينيّة، بعد أن خسرنا "الأوسكار" مرّتين، مرّةً أولى مع فيلم "قضيّة رقم 23" وهو أوَّل فيلم لبناني يترشّح إلى "الأوسكار"، لصالح الفيلم التشيلي "Una mujer fantástica" عام 2018، ومرّةً ثانية عندما خسر مُباشرةً في السّنة التالية فيلم "كفرناحوم" للمخرجة نادين لبكي لصالح الفيلم المكسيكي "Roma"؟


الديمقراطيّون بيضة قبّان

مهما تشرذمت الآراء حول الفيلم الأكثر ترشيحاً، يهدف المُجتمع الهوليوودي الداعم للحزب الديمقراطي بأغلبيّته إلى توجيه رسائل مُضادة للعهد الثاني للرّئيس دونالد ترامب، من خلال دعمهم لفيلم يحمل قضايا تتعاطف مع المجتمع المكسيكي من جهة والمجتمع ميم من جهة أخرى. وكما أشرنا أعلاه، صُوّر الفيلم خارج الأراضي الأميركيّة، الأمر الذي يتعارض مع سياسة ترامب أيضاً، خاصّةً عندما أعلن في مناسبة تعيين جون فويت وميل غيبسون وسيلفستر ستالون سفراء له، التالي "سيعملون كمبعوثين خاصّين لي لغرض إعادة هوليوود، التي فقدت الكثير من أعمالها على مدى السنوات الأربع الماضية لصالح الدول الأجنبية، إلى مكانتها الأكبر والأفضل والأقوى من أي وقت مضى".


أضف إلى أنَّ ترشيح الأكاديميّة لفيلم "The Apprentice" عن جائزتَي "أوسكار" ("أفضل مُمثّل" بدور رئيسي و "أفضل مُمثّل" بدور مُساعد) أتى مُشعلاً الموقف السياسي المُعارض، خاصّةً بعد تصريح الرّئيس الأميركي الحالي بأنَّ الفيلم عبارة عن "حملة رخيصة، تشهيرية، ومثيرة للاشمئزاز سياسياً"، مُعتبراً أنَّ إطلاقه مباشرة قُبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان لإلحاق الضّرر بحملته السياسيّة.

شهرٌ يفصلنا عن ليلة السهرة الطويلة، لمعرفة ما اذا كانت إميليا ستُغادر مُحمَّلة بالأوسكارات أم خالية اليدين... أرجِّح الاحتمال الأوَّل!