د. هادي مراد

الماليّة ليست لـ "الحراميّة" والصحّة ليست لـ "أبو كحّة"

لا يزال الثنائي المذهبي في لبنان متمسكاً بوزارة المالية، ويصرّ على تسمية جميع الوزراء الشيعة في حكومة الرئيس المكلف نواف سلام، وكأن الوزارات أصبحت ملكاً حصرياً له يفرض عبرها سلطته على الدولة ومقدراتها.



هذه المعركة ليست مجرد صراع سياسي بل تمثّل جوهر التعطيل والعرقلة في البلاد، حيث يستخدم الثنائي المالية كأداة للضغط والابتزاز، متجاهلاً الانهيار الاقتصادي الذي ساهم في تفاقمه على مدى السنوات الماضية.



الضغط الدولي في مواجهة سيطرة الثنائي


الضغط الدولي والعربي على لبنان في هذا الملف حاسم ولا يمكن لأي طرف تجاوزه. مصادر عدة تقاطعت مع رسالة أميركية واضحة بضرورة عدم تسليم وزارة المالية للثنائي، إذ إن أي اسم يتم تعيينه من قبلهما يعني عمليّاً أن الحاكم الفعلي للوزارة سيكون علي حسن خليل، المتهم بعدة قضايا فساد، والذي حكم الوزارة بشكل مباشر في عهده، ثم غير مباشر في الحكومتين الأخيرتين عبر غازي وزني ويوسف خليل، اللذين كرّسا الانهيار المالي والاقتصادي وأحدثا الخراب في وزارة المال.



ولا يمكن لأي أحد من المحور الإلهي أن يحاضرنا بأن الضغط الدولي لعدم تسلمه هذه الوزارة يُعد خرقاً للسيادة، إذ إنكم تعرفون جيداً أنكم أول من يتوجه إلى المجتمع الدولي والعربي طلباً للإعمار والدعم المالي. فكيف تشحذون الأموال من الخارج ثم تصرّون على الاحتفاظ بوزارة المالية، رغم أن سجلّكم حافل بالفساد المالي في الإدارات والمؤسسات؟ من حق من يريد أن يعطيكم المال ألّا يضعه في وزارات تحكمونها بأيديكم وتستخدمونها كأدوات للنفوذ والسمسرة.



استراتيجية التدمير المتعمّد


الثنائي يدرك جيداً أن وزارة المالية هي ورقة قوة تتيح له تعطيل أي إصلاحات لا تخدم مصالحه، وتمنحه القدرة على التحكم بمفاصل الدولة. وبعد الكارثة التي أدخلنا فيها "حزب الله" عبر مغامرته العسكرية الأخيرة، والتي تزامنت مع تخلي إيران عنه في ملفي الحرب والإعمار، يريد اليوم أن يكافئ نفسه عبر الاستمرار في نهجه التدميري. الثنائي لا يريد أن يتحمل الخسارة وحده، بل يسعى لإغراق الدولة بأكملها في الفوضى والانهيار، وكأن لبنان كله يجب أن يدفع ثمن خياراته الخاطئة.



السيطرة على وزارة الصحة: خطر داهم

إلى جانب المالية، يسعى "حزب الله" إلى الاستيلاء مجدداً على وزارة الصحة، وكأن التجربة الكارثية بين عامي 2019 و2022 لم تكن كافية لكشف حجم الاستغلال والتخريب الذي مارسه الحزب داخل الوزارة. والحقيقة أن حقيبة الصحة لا تقل أهمية عن وزارة المالية، بل تشكل باباً واسعاً لممارسات خطيرة تمسّ صحة اللبنانيين بشكل مباشر.



إن أي وزير صحة من "حزب الله" يعني تسجيل مئات الأدوية غير الشرعية، ومعظمها موجّه لمرضى السرطان والأمراض المزمنة، من مصادر غير موثوقة مثل إيران ودول أخرى خارج المعايير العلمية والطبية المعتمدة في لبنان. لدينا ملفات توثق عمليات تهريب أدوية قاتلة، وتم تسليمها للقضاء المختص، ومع ذلك لم يتم ردع هذه الممارسات حتى اليوم.



الصحة ليست للمتاجرة

سيطرة "حزب الله" على وزارة الصحة تعني استمرار المناقصات المشبوهة، ووجود شركات أدوية وهمية تعمل بلا رقابة، وتوزيع السقوف المالية للمستشفيات على أساس الولاءات السياسية والطائفية، لا على أساس الحاجة الطبية والإنسانية. نحن بحاجة إلى وزير صحة يُوقف أكثر من 100 دواء تم تسجيلها بطريقة غير قانونية حتى الآن، ويعيد فرض المعايير العلمية بعيداً عن التدخلات السياسية والمصالح الضيقة.



مسؤولية نواف سلام

أمام كل هذه الوقائع، تقع على الرئيس المكلف نواف سلام مسؤولية كبيرة في رفض هيمنة الثنائي على المالية والصحة، إذ لا يمكن أن تكون "المالية للحراميّة" كما لا يمكن أن تكون الصحة تحت سلطة "أبو كحّة". المطلوب حكومة قادرة على استعادة ثقة الداخل والخارج، وإيقاف النزيف الذي يفتك بلبنان، وإلا فسنكون أمام استمرار الانحدار نحو الهاوية، حيث لا أمل في الخلاص.