سامر زريق

سلام يستعيد شرعية الطائف الدستورية لا "الثورية"

نموذج من المناضلين "السياسيين" الذين يدعمون الشرعية "الثورية" لنبيه بري

عاد "اتفاق الطائف" إلى صلب النقاش السياسي خصوصاً بعدما شدد عليه رئيس الحكومة نواف سلام قبيل ولادة حكومته وخلال لقاءاته مع الكتل النيابية والقوى السياسية، في رسالة رام عبرها تذكير الجميع، بأنه هو من يؤلّف الحكومة العتيدة، بالشراكة مع رئيس الجمهورية.

التقط رئيس البرلمان نبيه برّي الرسالة، ورد بطريقة تبتغي القول بأن "الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم"، في اقتباس من القرآن الكريم من "سورة البقرة"، يُبيّن سبب اختيار "طالوت" ملكاً على "بني إسرائيل" وهو الذي لا ينتمي إلى السلالة الملكية، وذلك عبر استعادة مُبتسرة لـ "الطائف" استند فيها إلى مداولات غيبية، للتأكيد أن الاتفاق إيّاه منح الشيعة حقيبة المالية بشكل سرمدي، وأن "قوة الجسم" السياسي لـ "الثنائي" تكفل له حق احتكار تمثيلهم الوزاري.

الإدعاء هذا، دفعنا إلى الغوص في وثائق "الطائف" ومداولاته، خصوصاً كتب رجالات شاركوا في صنعه. منها كتاب "الفرص الضائعة – من اتفاق جلاء القوات الإسرائيلية إلى اتفاق الطائف" لوزير خارجية لبنان الأسبق (1982 - 1986)، ومستشار رئيس الجمهورية أمين الجميل للشؤون الخارجية، الدكتور إيلي سالم، الذي يُميط اللثام عن كثير من الوقائع الشديدة الأهمية المرتبطة باللحظة الراهنة.

أبرزها خروج حقّ تشكيل الحكومة من يد رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، إلى قوى سياسية وخارجية، حيث مارس السوريون ضغوطاً هائلة على الرئيس أمين الجميل لتشكيل "حكومة وفاق وطني" برئاسة رشيد كرامي، طالبوا فيها بإشراك أمراء الحرب المتحالفين معها فقط، انطلقت غداة عملية إسقاط اتفاق "جلاء القوات الإسرائيلية عن لبنان" المعروف بـ "17 أيار"، واستمرت لأشهر طويلة، تخللتها "انتفاضة 6 شباط 1984"، وتوّجت بتكليف كرامي تأليف حكومة جديدة في 26 نيسان من العام نفسه، واستحال الأمر مذّاك عرفاً يقبض على عنق الديمقراطية.


يسكب سالم على صفحات الكتاب ما قاله الرئيس السوري حافظ الأسد في 18 نيسان 1984، خلال قمة جمعته بنظيره اللبناني أمين الجميل، بحضور مسؤولين من الجانبين، عن ضرورة اعتماد "الشرعية الثورية" كمبدأ للتمثيل الوزاري، "أنتم تدركون أن هناك شرعية دستورية وشرعية ثورية، والذين يملكون السلطة على الأرض عندهم السلطة الثورية والسلطة الفعلية".

هذا المبدأ الذي لم يألفه العمل السياسي في لبنان، فرضه الأسد بعضلاته العسكرية وأذرعه الميليشياوية، وبطريقة استنسابية، حيث منح رئيس "حركة أمل" نبيه برّي حقيبتيْ العدل والطاقة في الحكومة. لكنه رفض الالتحاق بالركب الحكومي لإصراره على إقرار وزارة للجنوب، وهو ما حصل، مع تعيين حليفه التاريخي وليد جنبلاط "وزير دولة لشؤون الإعمار والجنوب"، نزولاً عند طلبه، في تاريخ شاء القدر أن يكون مُثقلاً برمزية ميليشياوية سوداء في زماننا وهو 7 أيار 1984.


أما الذين يحاججون حول حق "الثنائي التعطيلي" في احتكار الحقائب الوزارية المخصصة للشيعة، لأنه يقبض على التمثيل النيابي الشيعي، فلا بد من تذكيرهم بأن برّي استمر وزيراً 7 سنوات ونيّف بفضل "الشرعية الثورية" أو "الميليشياوية"، لا فرق، فهل المطلوب أن تمتشق نخب "17 تشرين" السلاح كي تفرض الاعتراف بـ "شرعيتها الثورية" التي أثبتتها عبر انتخاب 12 نائباً لعب الشيعة بالذات دوراً وازناً في وصولهم إلى ساحة النجمة؟


ناهيكم عن أن حصول "أمل" و "الحزب" على 30 نائباً يعتمد في الأساس على آلاف الموظفين الذين زرعهم بري في مؤسسات الدولة، ودورهم في إعادة إنتاج نفوذه عبر المناقصات والخدمات من "كيس" الدولة، والحماية القانونية للمخالفات، وعلى المؤسسات الاجتماعية "الخمينية" التي تلعب دوراً موازياً.

وبمناسبة رسالة الدراجات النارية الاستفزازية التي تبرأ منها لاحقاً "حزب الله" و حركة "أمل"، لا مناص من التذكير بتجربة الرئيس كرامي المريرة في الحكومة نفسها. فحينما اعتكف ولوّح بالاستقالة نتيجة غضبه من تصفية برّي وجنبلاط تنظيم "المرابطون"، كان ردّهما بأن سخرا منه وأعلنا عن نيتهما تعيين رئيس جديد للحكومة.