جاد حداد

The 15:17 to Paris... قصة حقيقية من إخراج كلينت إيستوود

29 أيلول 2020

02 : 00

في 21 آب 2015، أعاق ثلاثة أميركيين يجولون في أوروبا إرهابياً حاول قتل الركاب في قطار "ثاليس" رقم 9364 المتجه إلى باريس. الرجال الثلاثة هم الطيار المرموق سبنسر ستون، وعضو الحرس الوطني في ولاية "أوريغون" أليك سكارلاتوس، والطالب الجامعي أنطوني سادلر، وهم أصدقاء منذ الطفولة. أما الرجل المسلّح فهو المغربي أيوب الخزاني الذي خرج من الحمّام وهو يحمل الأسلحة وتعارك مع رجلَين أصبحا لاحقاً بطلَين وأطلق النار بمسدسه على واحد منهما في عنقه. قام صديقا ستون وكريس نورمان (رجل أعمال بريطاني عمره 62 عاماً يعيش في فرنسا) بضرب الخزاني مستعملَين ايديهما وكعب الاسلحة

إلى أن فقد وعيه في النهاية. ثم أبقوا المصاب حياً إلى أن تمكن القطار من التوقف وسمحوا للشرطة والمسعفين بالدخول إليه. تلقى نورمان وسادلر وسكارلاتوس وستون وسام جوقة الشرف من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مقابل شجاعتهم ومُنِحوا جوائز وعروض عسكرية وظهروا في برامج حوارية في ديارهم.

يبدأ الفيلم بلقطة من الماضي لإظهار طفولة الرجال الثلاثة وتؤدي جينا فيشر وجودي غرير دور والدتَي سكارلاتوس وستون وتنذر شخصيتهما في البداية بمشاهد محتدمة وعالية المستوى لكنها تبدو باهتة في نهاية المطاف ولا تُطرَح صفاتهما بطريقة درامية. قد يكون المشهد الذي تتجادلان فيه مع مدير متغطرس يحاول تشخيص حالة ستون ووضعها في خانة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، تزامناً مع انتقادهما لأنهما غير متزوجتَين، أسوأ خمس دقائق عرضها المخرج كلينت إيستوود في هذا الفيلم، لكن تنافسه مشاهد أخرى كثيرة على أسوأ أداء أيضاً. يهدر الفيلم موهبة الممثلَين توني هايل وتوماس لينون بدور مدير المدرسة والمدرب الرياضي على التوالي. ويحصل الممثل جليل وايت على مشهد واحد لإقناعنا بأنه أستاذ عظيم زاد اهتمام الفتيان بمادة التاريخ. يقتصر مشهده على 60 ثانية تقريباً وينتهي حين يعطيهم ملفاً مليئاً بالخرائط. تذكر الأمهات الله من وقتٍ لآخر لكن بطريقة متكلفة في معظم الأحيان ولا يسلط الفيلم الضوء على تفاصيل الحياة الروحية في عائلات الشبان، مع أن العمل يشمل بعض الصلوات، وهو أمر نادر في أفلام هوليوود.





اقتبست دوروثي بليسكال السيناريو من كتاب شارك فيه جيفري ستيرن، لكن تبدو الحوارات في هذا الفيلم غريبة ومألوفة على نحو مؤلم. حتى النقاشات الجدية عن القَدَر والمصير تحصل في غير محلها وتتحول إلى مشاهد سطحية لكن مُحببة بشكل عام، ومن الواضح أنها مرتجلة في معظمها، فيعبّر الرجال عن هذه الأفكار عبر التكلم في ما بينهم بكل بساطة أو مع أشخاص يقابلونهم خلال رحلتهم. لكن تبدو الشخصيات التي يقابلونها أحياناً غريبة بدرجة فائقة، على غرار الرجل المُسِنّ الذي يتكلم معهم في الحانة ويحاول إقناعهم بالذهاب إلى أمستردام عبر إخبارهم عن الوقت الممتع الذي أمضاه هناك للتو.

لا مفر من الإشادة بكلينت إيستوود الذي يتابع إخراج الأفلام بعد مرور 48 سنة على بدء مسيرته الإخراجية، لكن لا بد من الاعتراف بناحية سلبية في عمله: لم يكن سجله في هذا المجال لامعاً يوماً وقد تراجع مستواه كثيراً منذ فيلم Letters from Iwo Jima (رسائل من إيو جيما). تشمل جميع أفلامه تقريباً جوانب غامضة وتقتصر أعماله الممتازة من البداية حتى النهاية على ستة أو سبعة أفلام. لكنّ إيستوود معروف في المقابل بسرعة عمله وبإنهاء أفلامه ضمن المهلة المحددة، تزامناً مع الالتزام بالميزانية المتفق عليها، ويشكل فيلم The 15:17 to Paris خير مثال على براعته الأسطورية في هذا الإطار. يقال إنه قرر سرد قصة الرجال الثلاثة بعد تلقيهم جائزة "سبايك تي في" قبل 19 شهراً. منذ فيلم Unforgiven (غير مغفور)، استفادت جميع أفلام إيستوود من إعادة صياغة السيناريو، حتى أن عدداً صغيراً من أقرب مستشاريه تجرأ على إخباره بأن خياراته ليست مناسبة أحياناً.

أكثر ما يميّز الفيلم هو صدقه وصراحته، وقد تكون هذه الميزة كافية لحمايته من الانتقادات مهما حصل. سيشعر عدد كبير من المشاهدين الأميركيين بأنه معنيّ بأحداث الفيلم، وهو مكسب حقيقي للسينما الأميركية التي يُفترض أن تعكس فناً شعبياً يمثّل عالم السياسة بشكله الحقيقي بدل أن يكتفي بتصوير هذا المجال بالطريقة التي يفضّلها قطاع السينما. لكن حبذا لو تدخّل أحد في الوقت المناسب لإنقاذ هذا الفيلم من شوائبه!


MISS 3