في قلب بيروت، حيث يختلط وجع الناس بصوت المولدات، ويُطمر الأمل تحت ركام الأزمات، يبدو وكأن العيش بات كفاحاً يومياً. وطنٌ يتأرجح بين الانهيار والرجاء، حيث الكهرباء حلم، والماء امتياز، والقانون وجهة نظر. كيف وصل لبنان إلى هذه الحافة؟ وهل بات الحل في البحث عن وطنٍ آخر، على كوكبٍ آخر، حيث لا مكان للفوضى، ولا سلطة للفساد، ولا مفرّ من العدالة؟
تخيلوا لبناناً بلا طوابير ذلّ، بلا قوى تتقاسم النفوذ خارج إطار الدولة، بلا اقتصاد مستنزف ولا بنية تحتية منهارة. قد يبدو هذا حلماً، لكن قبل أن نحكم على استحالته، لنتخيّل معاً ما يمكن أن يكون عليه الوطن لو بدأ من جديد، ولو امتلكنا الجرأة لنطالب بما نستحق.
السلاح: لا قوة تعلو على الدولة
في هذا الكوكب الجديد، لا ميليشيات تعبث بمصير البلاد، لا سلاح غير شرعي يُشعل الحروب متى شاء، ولا زعامات تفرض قراراتها بالقوة. الدولة هي وحدها التي تحتكر السلاح، والقانون هو الحَكَم الوحيد. لا مناطق خارجة عن السيطرة، لا تهديدات تُطلق في الظلام، ولا قرارات سياسية تؤخذ تحت فوهة البندقية. أما في لبنان، فهناك من يقرر الحرب والسلم دون استشارة أحد، وهناك من يعيش تحت رحمة السلاح، محروماً من أبسط حقوقه في الأمن والاستقرار.
القانون والدستور... لا حصانة للفاسدين
هنا، لا دستور يُعدّل ليناسب مصالح الساسة، ولا قضاء يُستخدم لتصفية الحسابات. العدالة لا تتعطل عند أبواب النفوذ، والمحاسبة لا تخضع للمساومات. لا زعيم فوق القانون، ولا تلاعب في المؤسسات. في لبنان، القانون يُكتب بأيدي المنتفعين، والمحاكم تغرق في التأجيلات، والمحاسبة مجرد كذبة تُسكن بها الجماهير. أي بلد يُبنى بلا عدالة؟ وأي مستقبل لشعب يرى سارقيه ينجون بلا عقاب؟
الكهرباء والماء: أساسيات وليست امتيازات
هنا، لا أحد ينام على العتمة، ولا يدفع راتبه للمولدات. الكهرباء لا تنقطع، والمياه نظيفة ومتوفرة للجميع. لا سوق سوداء للطاقة، لا فساد يبتلع الميزانيات، لا مواطن يُترك ليواجه الظلام والعطش وحده. أما في لبنان، فكل بيت هو معركة يومية ضد العتمة، وكل مواطن يدفع ثمن فساد المسؤولين، الذين لا يخجلون من بيع حقوق الشعب على موائد الصفقات المشبوهة.
الصحة والتعليم... لا حق يُشترى بالمال
في الكوكب الجديد، لا يموت الفقراء أمام أبواب المستشفيات، ولا يصبح العلاج رفاهية. الصحة للجميع، والتعليم ليس امتيازاً للأغنياء. لا حاجة لرشوة للحصول على سرير في المستشفى، ولا لجواز سفر للهروب بحثاً عن تعليم محترم. أما في لبنان، فالمريض يتوسّل العلاج، والتلميذ يُحرم من المعرفة إن لم يدفع. أي دولة هذه التي تجعل المرض تجارة، والعلم سلعة؟
البنية التحتية: الحياة لا تحتمل العشوائية
الطرقات سليمة، المواصلات تعمل، والخدمات لا تنهار بعد أول عاصفة. لا انتظار لساعات في زحمة السير، لا جسور تتهاوى فجأة، لا مدن تغرق بعد دقائق من المطر. في لبنان، الحفر تبتلع السيارات، والجسور تهتز مع كل عاصفة، وكأن الخراب هو القاعدة والإصلاح هو الاستثناء. كيف تبنى دولة حينما تتحول الطرقات إلى متاهات قاتلة؟
الاقتصاد: من النهب إلى الإنتاج
هنا، الاقتصاد يعمل لصالح الناس، لا لصالح مافيات المصارف. لا سرقة منظمة، لا رواتب تفقد قيمتها بين ليلة وضحاها، لا بطالة تحطّم أحلام الشباب. لا أحد يهاجر لأن بلده يلفظه، ولا أحد يعمل ليجد نفسه غارقاً في الضرائب والديون. في لبنان، الاقتصاد نازف، الفساد متوحش، والشعب يُدفع دفعاً إلى المنفى بحثاً عن حياة لا تمتصها الأزمات.
إرادة التغيير: الكوكب الجديد يبدأ من هنا!
لبنان يقف اليوم على حافة الانهيار أو النهوض، عند مفترق طرق لا يحتمل المماطلة. الحكومة الجديدة ليست مجرد وجوه وأسماء، بل فرصة أخيرة للإنقاذ. إما أن تتحول إلى قوة تغيير حقيقية تعيد بناء الدولة، أو تبقى مجرّد محطة أخرى في مسار الانحدار. لا معجزات تنتظرنا، ولكن الإرادة السياسية إن تلاقت مع إرادة الشعب، فإن المستحيل يصبح واقعاً.
صحيح أن الطريق طويل ومليء بالعقبات، لكن هذه الحكومة قد تكون الشرارة التي طال انتظارها. فإما أن تستعيد الدولة سيادتها، وتفرض القانون على الجميع، وتبدأ بإصلاحٍ جذري يعيد الحقوق لأصحابها، وإما أن يبقى لبنان غارقاً في الفوضى، رهينة المصالح والفساد.
القرار بأيدينا… فهل نحن مستعدون لانتزاع التغيير؟