جوزيف حبيب

الرياض لن تقبل بسلام إقليمي منقوص

رهان فلسطيني - عربي على السعودية

تملك الرياض «ورقة ضغط» وازنة (رويترز)

وقعَ طرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب ترحيل الغزيين وإعادة توطينهم في مصر والأردن ودول أخرى، لتحويل القطاع المنكوب إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، كالصاعقة على الفلسطينيين وعَمّان والقاهرة والعواصم المعنية بالصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. على الرغم من أن البعض لم يأخذ كلام سيّد البيت الأبيض على محمل الجدّ لحظة إعلانه نيّة بلاده السيطرة على غزة خلال مؤتمره الصحافي الصادم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، إلّا أن "المُستهدفين المتضرّرين" بدأوا يتحرّكون بشكل مكثّف وينظّمون صفوفهم لمواجهة هذه الخطّة، التي من المتوقع أن يواكبها قريباً اعتراف أميركي بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية، ما سينسف عملياً حلّ الدولتين.


ستقدّم مصر "تصوّراً متكاملاً" لإعادة إعمار قطاع غزة يضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه، ليُناقش خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة أواخر الشهر الحالي، وكذلك خلال الاجتماع الوزاري الطارئ لـ "منظمة التعاون الإسلامي" بعد القمة. هذا ما "تسلّح" به الملك الأردني عبدالله الثاني خلال لقائه بترامب في المكتب البيضوي الثلثاء، حيث برز التباين في الرؤى حول "اليوم التالي" لحرب غزة وكيفية الدفع في اتجاه السلام في الشرق الأوسط. تقف مصر والأردن أمام امتحان صعب يُهدّد الأمن القومي لكلّ منهما، خصوصاً أنهما يعوّلان كثيراً على الدعم المالي الأميركي، الذي قد يُعلّقه ترامب للضغط عليهما والحصول على تنازلات منهما.


تضارب مصالح القوى، الذي يتّخذ بُعداً وجودياً عند دول وشعوب استحالت في "عين عاصفة" طروحات ترامب التوسّعية، يتزامن مع ارتفاع احتمال استئناف الحرب في غزة، فيما تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة، التي يتخلّلها تدمير مُمنهج للبنى التحتية والمباني السكنية في أكثر من مخيّم ومنطقة، ونزوح عشرات آلاف الفلسطينيين، ما يدق ناقوس الخطر بالنسبة إلى المملكة الهاشمية المتوجّسة من مخطّط إسرائيلي يهدف إلى تهجير فلسطينيي الضفة إليها وضمّ "يهودا والسامرة" إلى الدولة العبرية.


ومع توالي الضغوط الأميركية الهائلة التي تثير هواجس إقليمية جسيمة، تؤكد أوساط متابعة للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أن رهان السلطة الفلسطينية وعَمّان والقاهرة وغيرها، يبقى معلّقاً إلى حدّ كبير على السعودية وحضورها السياسي الفاعِل ودورها الدبلوماسي المؤثر، لمجابهة "الترانسفير" والمساهمة في صياغة حلّ عادل وشامل ومستدام في المنطقة المضطربة لتجنّب "نكبة ثانية"، في وقت يتزايد فيه القلق من تفجّر موجة جديدة من التطرّف الإسلامي، الذي ينمو كالطفيليات باستغلاله "تربة المظلومية" الخصبة.


تعتبر تلك الأوساط أن مكانة السعودية في العالمَين العربي والإسلامي وعلاقاتها المتينة والمتشعّبة مع قوى مختلفة من حول العالم، يجعلان منها لاعباً إقليمياً ودولياً مهمّاً. وهذا بالضبط ما يفتح شهية ترامب لضمّ المملكة إلى نادي دول "اتفاقات أبراهام"، الأمر الذي يُعطي الرياض "ورقة ضغط" وازنة لتحسين شروط الفلسطينيين والعرب على طاولة المفاوضات مع "العم سام"، إذ إن كلفة تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل ستكون باهظة على واشنطن وتل أبيب، فالمملكة ليست على عجلة من أمرها لإقامة علاقات مع الدولة العبرية ولن تقبل بسلام إقليمي منقوص لا يؤمّن مصالحها الحيوية ويحفظ أمن حلفائها العرب ويضمن مساراً واضحاً نحو نيل الفلسطينيين دولتهم.


وإذ ترى الأوساط أن المملكة تشكّل "قوّة الدفع" الرئيسية للتصدّي لترحيل الفلسطينيين من أرضهم في الضفة وغزة، وتثبيت حقّهم بتقرير مصيرهم، توضح أن السعودية تستطيع توفير "شبكة أمان" مالية موثوق بها لمصر والأردن، إذا ما جمّد ترامب دعم بلاده لهما. كما تؤدّي الرياض دور الوسيط في أكثر من ملف جيوسياسي شائك، أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث تستثمر الدبلوماسية السعودية علاقاتها الوثيقة مع روسيا وأوكرانيا وأميركا، للمساعدة في ايجاد "أرضية مشتركة" تكون منطلقاً لإنهاء الحرب المشؤومة في أوروبا، علماً أن المملكة من الأماكن المطروحة لاستضافة قمة منتظرة بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.


تجزم الأوساط أن الوساطات التي امتهنت الرياض القيام بها، فضلاً عن استثماراتها المتعدّدة والمتنوّعة، ومشاركاتها الواسعة في عمليات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في أرجاء المعمورة، عمّقت من صلابة "القوّة الناعمة" للمملكة على الساحة الدولية، وتالياً أصبح لدى السعودية "هامش مناورة" مريح في التعامل مع قوّة عظمى حليفة كالولايات المتحدة. وهناك أيضاً مكامن قوّة أخرى تنعم بها السعودية، وعلى رأسها النفط، الذي طالب ترامب بخفض أسعاره عالمياً. يرغب الرئيس الأميركي بتوسيع "اتفاقات أبراهام" وإغلاق صفحة "الحروب المقدّسة" اللامتناهية، لكن هذه الغايات الطموحة ستُحتّم عليه إبرام صفقة "رابح - رابح" مع حلفائه العرب، ولا سيّما السعودية. عدا عن ذلك، لن يظفر ترامب بـ "نوبل للسلام" من بوابة الشرق الأوسط.