د. جوسلين البستاني

إلى المنتصر تذهب الغنائم والحقائب الوزارية

د. جوسلين البستاني

تمّ التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر 2024، عقب شهرين من الحرب المفتوحة نتيجة دعم "حزب الله" لجبهة غزة بعد عملية طوفان الأقصى. جاءت نتائج الحرب كارثية على جميع الصعد، ورغم ذلك، سارع "حزب الله" إلى ادعاء النصر في معركته ضد إسرائيل. للوهلة الأولى، تركّزت ردود الفعل على اعتبار هذا الموقف شكلاً من أشكال إنكار الواقع، فيما اعتمد البعض الآخر الاستهزاء. لكن الحقيقة كانت في مكان آخر.


لم يكن دقيقاً اعتبار هذا الموقف مجرد إنكار للهزيمة، ربما كان من الأفضل النظر إليه كتكتيك لإعادة ترتيب المواقف. بمعنى آخر، إعلان النصر أتى استكمالاً للخطة الاستراتيجية التي وضعها "حزب الله" بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان، والتي تقضي باختيار إجراءات واحتمالات ردّ تهدف إلى الاحتفاظ بالمبادرة السياسية والقدرة على تنفيذها رغم أي معارضة قد يواجهها. ومن ضمن عناصرها، فرضُ المعنى على الأحداث، وفي هذه الحالة، فرض فكرة النصر. إنه مفهوم مستوحى من الحرب النفسية التي جعلها "حزب الله" أولوية له منذ تسعينيات القرن الماضي. وهذا ليس مستغرباً بالنسبة إلى مجموعة اعتمدت في حربها ضد الجيش الإسرائيلي نهج حركات حرب العصابات، أي الاستراتيجيات غير المباشرة، نظراً لكونها دائماً الطرف الأضعف مقارنة بخصمها.


بالتالي، إعلان النصر يندرج ضمن الحرب النفسية، التي تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من أي حملة تهدف إلى التأثير وإدارة الرأي العام، بهدف كسب تأييده لقيم وتصوّرات الجهة التي أطلقتها. فهذا التأييد يُشكّل عاملاً حاسماً في إضفاء الشرعية على أي مشروع سياسي أو تدخل عسكري.


ولأن الحروب تُكسب أو تُخسر نفسياً، لذلك لا تعرف الحرب النفسية الهدنة. هي التي ترتكز بشكل أساسي على التضليل، باعتباره أحد مكوناتها الأساسية. وقد تبيّن أن زمن السلم أكثر ملاءمة لهذه الحرب مقارنة بزمن المعارك، حيث يُصار دائماً إلى تأطير نتائجها وفقاً للهدف المنشود.


وإذا ما عُدنا مثلاً إلى عصر الحرب الباردة، يتبيّن لنا أن هاجس استخبارات الاتحاد السوفياتي كان ينصبّ على مفهوم "التأطير"، عبر التلاعب بالوقائع والسجلّات، أكثر منه على جمع المعلومات. أما بالنسبة لـ "حزب الله"، فقد أثبت إعلامه أنه من أكثر الأسلحة فعاليّة لديه، إذ تمكّن من الحفاظ على السيطرة الكاملة على "نقاط الحوار" (talking points) والرسائل اليومية الصادرة عن قادته، والتي كانت تُوَجّه إلى الصحافة اللبنانية والأجنبية.


ولأن وسائل إعلام "حزب الله" كانت دائماً جزءاً محورياً من استراتيجية التضليل، فقد ساهمت في إعطاء انطباع بأنه يُحقّق إنجازات في ساحة المعركة تفوق ما كان عليه الواقع الفعلي. ومن أهمّ ما سوّق له "حزب الله" نظرية أن "زمن الحرب" هو مرحلة مُحدّدة ستنتهي بشكل حاسم وبانتصار واضح، وستؤدي إلى حلّ المشاكل التي تُعتبر غير قابلة للحلّ بوسائل أخرى. بالتالي، تسمح هذه الافتراضات حول "زمن الحرب" بإضفاء الشرعية على ممارسات لم تكن لتتمّ لولا هذا التأطير، ولولا الترويج لما يُعرف بـ"طقوس الانتصار"، التي تُعزّز رمزياً فكرة التوقّع الحتميّ للنصر العسكري. وهي أنماط شبيهة بـ "الطقوس الدينية"، حيث يجري الربط بين الخسائر الفادحة و"الكفاح الأبدي المنتصر".


أخيراً، لا يمكن التقليل من شأن تأثير "الصورة الانتصارية" على الأسس المعيارية المُتعلّقة بزمن الحرب، بعد أن أصبحت "طقوس الانتصار" أداةً لإدارة القلق الجماعي وترياقاً يعوّض غياب الانتصارات الفعلية. فمن خلال الترويج لفكرة العمل العسكري الذي سينتهي بشكل إيجابي، أي بـ "النصر"، تمكّن قادة "حزب الله" من إضفاء الشرعية على المطالبة بغنائم الانتصار-أي المشاركة في الحكومة، حتى لو كان ذلك بطريقة مُقنّعة عبر شخصيات غير حزبية، وانتزاع حقائب وزارية لا حقّ لهم بها بعد أن دمّروا لبنان.


يُقال إن "حزب الله" لم يعد قادراً على عرقلة القرارات داخل الحكومة الجديدة كما كان يفعل سابقاً. سنتحقّق من ذلك يوم يُتّخذ قرار نزع سلاحه.