سناء الجاك

ورطة العهد

لا يُحسد العهد على انطلاقته، ففي حين ينصبّ الاهتمام على إنجاز البيان الوزاري ونيل ثقة مجلس النواب، ومن ثم الانصراف إلى العمل للإصلاح والإنقاذ، تهبّ عليه العواصف من كل صوب وحدب.



وكأن الجهود الذي يبذلها أركان الدولة لإرغام إسرائيل على الانسحاب من الأراضي اللبنانية في 18 الجاري، لا تكفيه، حتى يوتر الوضع الأمني قاطعو طريق المطار احتجاجاً على منع طائرة إيرانية من التوجه الى مطار بيروت، فيحرقون الدواليب مطالبين الدولة بحماية "السيادة" من الانتهاك.


والمبتكر أن المحتجين "السلميين" باتوا يعتبرون أن حركة هذا المرفق الحيوي يجب أن تخضع لسيادة الدولة، وليس للإملاءات الأميركية ولا التهديدات الإسرائيلية.


وكأنهم أسقطوا من ذاكرتهم "اليوم المجيد" في السابع من أيار 2008 حين رفضوا إقدام الدولة ذاتها على كف يد رئيس جهاز أمن المطار وفيق شقير الذي كان يساهم في بسط سيادة "حزب الله على المطار.


حينها كان الرفض عسكرياً بامتياز ترجمه الحزب الإلهي باحتلال بيروت وبعض مناطق الجبل... والحق حينها كان على الدولة التي حاولت بسط سيادتها، وصار المطار والطرق المؤدية إليه تحت رحمتهم وفريسة انتهاكاتهم وجرائمهم وعمليات التهريب لكل الممنوعات التي كانوا يقدمون عليها لتمويل مشاريعهم التخريبية.


أما اليوم، فعينهم بصيرة ويدهم قصيرة، لذا اكتفوا ببعض الأعمال التخريبية وهتافات تذكيرية و"شيعة.. شيعة".. و "يا زهراء ويا حسين.. الشيعة احتلوا لبنان"..


وبين أمس "اليوم المجيد" وحاضر "زمن الهزائم" حكايات مصبوغة بالدم والتعطيل وشل قدرات البلد وصولاً إلى ما نحن فيه من جحيم... ليس أقلها مواصلة إسرائيل اعتداءاتها وتعنّتها وإصرارها على البقاء في نقاط ثابتة على الأرض اللبنانية بفعل مغامرة "حرب المساندة"، آمنة مطمئنة بأن المتظاهرين الغوغائيين الذين يستسهلون قطع طرق لبنان والتسبّب بالضرر فقط للبنانيين، فقدوا أي قدرة على مواجهتها وردعها، بعد انهيار المحور الممانع، واقتصار نضاله على تهريب بعض الأموال لمقاومة أزمات الحزب الداخلية وليس لمقاومة أي عدو آخر.


والمفارقة التي رافقت رفض تحويل لبنان "مستعمرة إسرائيلية" بعدما كان "مستعمرة إيرانية" هي أنها تزامنت وبالصدفة الخالصة مع الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بما لهذا التزامن من دلالات لتعمد تقويض الذكرى، وكأن الهدف المضمر هو إعلاء شأن تاريخ 23 الجاري عليها.


وفي ظل كل هذه التحديات، لا بد وأن يجد العهد أنه امام ورطة، فهو إن عجز عن ضبط الامن ووضع حدّ حاسم وحازم لانتهاك الأمن عبر قطع الطرق، وتحديدا طريق المطار، لما لهذا الأمر من أهمية، لن يستطيع الانطلاق بمسيرته لإعادة هيبة القانون وتفعيل عمل المؤسسات، إن بقي هناك من يدرك يقيناً أن لا حياة له بوجود دولة، لذا سيبقى يسعى حتى الرمق الأخير لتقويضها.


ولأن الحكم ملح الأرض، بات واضحاً أن سياسة "المراعاة" و"عدم الإقصاء" تشجّع الغوغائيين المصرّين على سلوكهم الهدّام والمطالبين بسيادة على قياسهم، وإلا هم حاضرون كل لحظة ليقلبوا الطاولة على رأس العهد الذي يفترض أن يجد السبيل للخروج من مثل هذه الورطة تحديدا وإلا.. سيعيد التاريخ منذ 2005 نفسه.