نايف عازار

حطّ في بغداد مدجّجاً بشبكة علاقات دبلوماسية

هل يُصلح الكاظمي ما أفسده "الإطار التنسيقي"؟

الكاظمي يُعدّ من أفضل رؤساء الحكومات في عراق ما بعد صدام

في خضمّ أزمة حياتية حادة تعصف بالعراق، وعلى وقع قرع طبول حرب اقتصادية ستتجلّى عاجلاً أم آجلاً بشكل عقوبات غربية وتحديداً أميركية قد تطول مسؤولين عراقيين، وفي ظلّ قتامة المشهد السياسي الذي يظلّل "بلاد الرافدين" بسبب اخفاقات حكومة محمد شياع السوداني الداخلية والخارجية، خرقت طائرة خاصة الثلثاء الفائت أجواء بغداد الملبّدة بالغيوم السياسية، وسرعان ما تبيَّن أن على متنها رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي العائد إلى ربوع الوطن.

فبعد غياب دامَ أكثر من سنتين، وعقب محاولة اغتياله في عقر داره في 7 تشرين الثاني من عام 2021 بواسطة طائرة مسيّرة مفخخة استهدفت منزله في العاصمة العراقية، نجا منها بأعجوبة، وغداة حملة سياسية شعواء رافقت خروج حكومته من المشهد السياسي مع تسلّم السوداني المقاليد الحكومية، عاد الكاظمي، رجل الحوار والانفتاح إلى وطنه الأم، مدجّجاً بشبكة علاقات دبلوماسية إقليمية ودولية نسجها إبّان رئاسته الحكومة، بل بدأ بحياكتها مذْ كان رئيساً لجهاز الاستخبارات العراقية.

ما أهمية عودة الكاظمي في هذا التوقيت؟

لا شك في أن منطقة الشرق الأوسط برمّتها تتحرّك فوق صفيح ساخن، بفِعل الحروب الإسرائيلية المتعدّدة الجبهات والمعزَّزة بضوء أخضر أميركي وإفرازاتها، سيُعاد بعدها رسم خريطة الإقليم. وفي ظلّ خلط الأوراق الإقليمية والدولية، بدفع أميركي "متعالٍ" يقوده الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، يجد العراق نفسه يتيماً وفي شبه عزلة دولية، بعدما أخفقت حكومة السوداني في نسج علاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، بل وجدت بغداد نفسها في شبه عزلة عربية أيضاً.

فالاجتماعات العربية والخليجية الأخيرة التي بحثت في شجون "اليوم التالي" في غزة، استبعدت العراق عنها، كما أن بغداد لم تنجح في مواكبة التطورات الجذرية التاريخية الحاصلة على خريطة الجارة السورية، إذ تبدو الهوّة عميقة بين الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع والسوداني، في وقت يُعتبر فيه "الإطار التنسيقي"، وهو الائتلاف السياسي الشيعي الحاكم في العراق، أحد أجنحة طهران السياسية، التي تساقطت أذرعها العسكرية المعطوبة تباعاً كـ "أحجار الدومينو" في المنطقة.

رسائل دولية إلى بغداد

في السياق، أفادت مصادر عراقية مقرّبة من الكاظمي "نداء الوطن"، بأن رئيس الحكومة السابق لم تطأ قدماه العراق وهو خالي الوفاض، بل جاء إلى بلاده معززاً باتصالات ولقاءات إقليمية عقدها في الآونة الأخيرة، وقد يكون يحمل في جعبته رسائل دولية إلى بغداد، فضلاً عن مشروع سياسي داخلي قد يرى النور قريباً ويُكَلّل بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

فالكاظمي، بحسب شريحة واسعة من العراقيين، يُعدّ من أفضل رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على السلطة في عراق ما بعد صدام، ونجح في فترة وجيزة من حكمه في رفع مكانة بلاده إقليمياً ودولياً، وأدار الملف الاقتصادي بشكل جيّد، ففي عهده سجّل العراق للمرّة الأولى خزيناً احتياطياً قُدر بأكثر من 100 مليار دولار لم تتركه أي حكومة سابقة، فضلاً عن أنه عبر بسلام بمؤسسات الدولة إلى مرحلة آمنة بعدما كانت على حافة الانهيار. كما أن عودته إلى بغداد تؤسس لخطوة ذات أبعاد متعدّدة تحمل في طياتها رسائل تتجاوز البعد الشخصي لتصل إلى المشهد السياسي الأوسع، وستعكس في طبيعة الحال تغييرات في لعبة التوازنات الدولية المتصلة بالعراق.


الاتّكاء على دهاء الكاظمي

لا تخفي بعض المصادر العراقية لـ "نداء الوطن" أن عودة الكاظمي تمت بدعوة سياسية خاصة لإنقاذ تحالف "الإطار التنسيقي" المترنح سياسياً في الداخل، ولمواجهة أزمة تلوح في الأفق العراقي - الأميركي "الترامبي"، وبذلك يريد "الإطار" الاتّكاء على براعة الكاظمي ودهائه الدبلوماسي وعلاقاته العنكبوتية مع الإدارة الأميركية، لإخراج الحكومة العراقية من أتون الصراع مع قائد سفينة "العم سام"، ولإبعاد كأس العقوبات الاقتصادية الأميركية التي باتت "قاب قوسين أو أدنى" من بعض القيادات الشيعية الرئيسية داخل الائتلاف الحاكم.

وليس خافياً على أحد، أن للكاظمي باعاً طويلاً في نسج العلاقات الدولية وتقريب وجهات النظر بين ألدّ الخصوم الدوليين، ولعل المحادثات السعودية - الإيرانية التي رأت النور في السنوات الأخيرة "بمعيّة" الكاظمي خير دليل على ذلك، ناهيك عن دوره المحوري في مساعيه لإذابة الجليد بين "إيران النووية" والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن ورائها الولايات المتحدة.

ويبقى في الصورة الشاملة للمنطقة، أن لبنان جوزاف عون ونواف سلام، وسوريا أحمد الشرع الذي نزع عنه رداء التطرّف، هم بأمسّ الحاجة في الجوار، إلى عراق يقوده شيعة ليبراليون، يبرعون في "إمساك العصا من المنتصف" و"تدوير الزوايا" بين واشنطن "المتعالية" وطهران "المتزمّتة".