أمجد اسكندر

الحدث السوري و"إلغاء الطائفية السياسية" في لبنان

الممانعة مرتبكة وتخبط خبط عشواء وهذا الخبط يؤذيها ويؤذي كل الوطن. الممانعة تريد الخروج من الهزيمة بالمعاندة الميدانية، وكل كلام عن مسار دبلوماسي لتحرير ما سببته من احتلال، مستهجن في قاموسها. تتمنى الممانعة أن تعود الحرب، ونحتاج إلى تحليل في علم النفس التاريخي لفهم هذا المنحى الانتحاري. ويصل الارتباك إلى أقصاه مع الاستفاقة على شعار «إلغاء الطائفية السياسية».


هموم اللبنانيين في وادٍ والممانعة في وادٍ آخر. من المفيد أن نلقي الضوء على ما يحصل من حولنا، فمسألة الطائفية السياسية، وإن كانت شأناً داخلياً، لدينا في تجارب الماضي ما يكفي من أمثلة على تأثير الخارج على الداخل. حصلت مقتلة في الساحل السوري فلعلع الرصاص، وإن بقدْرٍ ضئيل في طرابلس، وحصل نزوح وتداعى زعماء لمنع امتداد اللهيب السوري، وأصدروا ما اصطلح على تسميته «إعلان طرابلس».

والمقتلة كانت لأسباب طائفية، وإن تصدر المشهد الدموي فلول نظام ومسلحين تكفيريين. سبق هذا القتل وتبعه تحرك لطائفة الدروز هناك، ولا تبدو التهدئة السياسية التي تقوم بها السلطة الجديدة على الجبهتين الدرزية والكردية قد وصلت إلى خواتيم مرضية لأحد. طائفتان، علوية ودرزية، تغليان في جنوبي سوريا وشمالها، تضاف إليهما المسألة الكردية في شرق البلاد. هذا الغليان الطائفي والإثني تتداخل فيه عوامل دولية وازنة، هي إسرائيل وتركيا وروسيا وأميركا والخليج العربي.


وفي هذا الخضم صدر «إعلان دستوري» عن السلطة، فتبخرت آمال التهدئة الظرفية، وبدا هشاً ما حصل قبله وبأيام معدودة من اتفاقات مع الكرد والدروز والعلويين. لا تبدو سوريا وكأنها تتجه إلى «إلغاء الطائفية السياسية». أو ربما الأصح القول إن المفهوم الطائفي كما تحاول السلطة الجديدة الوصول إليه، زاد من مخاوف طوائف العلويين والمسيحيين والدروز. وفقاً لـ «الإعلان الدستوري»، الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، ورئيس الجمهورية، حكماً، يجب أن يكون مسلماً. المسلمون في سوريا متعددو المذاهب، ولكن المقصود بالرئيس المسلم هو أن يكون عربياً وعلى المذهب السني.


الإسماعيليون والعلويون والدروز خارج معادلة الرئاسة، أما الكرد والمسيحيون فلا يجب أن تراودهم هذه المسألة ولو في الخيال. بحكم العدد، الرئيس السوري سيكون سُنياً، وبحكم العدد أيضاً، يمنّي «الثنائي الشيعي» النفس بأن يؤدي «إلغاء الطائفية السياسية» إلى إحكام قبضته على الحكم. وفي هذا التشابك المعقد، من الواضح أن ما يرضي طائفة على الضفة السورية يثير هواجس مثيلتها على الضفة اللبنانية، وحتى لا نغوص أكثر في هذه الدوامة، يكفي أن نطرح السؤال الآتي: هل يمكن أن يسلك طرح «إلغاء الطائفية السياسية» في لبنان، وفي هذا الظرف بالذات، مساراً لا يتأثر بما يحصل في سوريا بخاصة، والمنطقة بشكل أشمل؟


لا جدال بأن «إلغاء الطائفية السياسية» ورد في اتفاق الطائف، كما ورد أيضاً أن الوصول إليها يأتي بعد مسار مرحلي وطويل الأمد. وما حصل من تطبيق مشوّه لاتفاق الطائف، يتحمل مسؤوليته بشكل خاص «الثنائي الشيعي» الذي تحالف مع نظام آل الأسد. في الوقت الذي كانت فيه اليد الطولى في لبنان لهذا النظام، لم يُبدِ «الثنائي الشيعي» ولو أدنى اعتراض فعلي على تهشيم «الطائف»، لا بل استفاد من هذا التهشيم. لم يُقِمْ القيامة على انتهاك النظام الأسدي لهذه الوثيقة الوطنية. بناء على ذلك، فإن آخر من يحق له فتح هذا الملف هو «الثنائي الشيعي». سلسلة الكوارث التي تسبب بها سياسياً واقتصادياً، أفضت إلى واقع جديد، وهو أن حظوظ الوصول إلى حل في هذه المسألة تكمن عندما تبادر إليها الأطراف التي تريد التعافي من أضرار هذا الثنائي على مدى خمس وثلاثين سنة.