شارك رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في حفل الإفطار الذي أقامته دار الفتوى بدعوة من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بحضور رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نواف سلام، وعدد من الشخصيات السياسية والدينية.
وفي مستهلّ كلمته، عبّر رئيس الجمهورية عن سعادته بالمشاركة في هذا الإفطار، مشيراً إلى أن شهر رمضان المبارك يتزامن هذا العام مع زمن الصوم الكبير لدى الطوائف المسيحية، ما يعكس وحدة القيم الروحية بين اللبنانيين. وأكد أن الصوم هو فرصة لتعزيز التضامن والوحدة، وهو ما يحتاجه لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وتطرق عون إلى أهمية المشاركة السياسية لجميع فئات المجتمع اللبناني دون تهميش أو إقصاء، مشدداً على أن احترام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني يجب أن يكون بعيدًا عن الحسابات السياسية والطائفية. وأضاف أن الدولة اللبنانية مسؤولة عن حماية التنوع، لكن الأولوية تبقى لبناء دولة قوية وعادلة تحمي سيادتها وشعبها.
وفي ما يتعلق بالتحديات الراهنة، أشار الرئيس عون إلى أن تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار يشكلان أولوية لضمان استقرار لبنان، محذراً من أن استمرار التوتر على الحدود الجنوبية يعيق عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة. وشدد على ضرورة التزام المجتمع الدولي بتعهداته، مطالباً بوضع مواقف الدول الداعمة للبنان موضع التنفيذ. كما أكد أن إعادة إعمار ما دمرته الحرب يتطلب تكاتف جهود الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، إلى جانب دعم الأشقاء والأصدقاء.
وختم عون كلمته بالتأكيد على أن إرادة اللبنانيين في بناء وطن قوي ومزدهر تفوق أي تحديات، موجّهاً شكره لمفتي الجمهورية على دعوته الكريمة، ومتمنيًا للبنانيين مزيداً من الاستقرار والازدهار.
وهنا النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية في إفطار دار الفتوى:
"صاحبَ الدعوةِ سماحةُ مفتي الجمهورية،
السيدُ رئيسُ مجلسِ النواب،
السيدُ رئيسُ مجلسِ الوزراء،
السادةُ رؤساءُ الجمهوريةِ والحكومةِ السابقون،
أصحابُ الغبطةِ والسيادةِ والسماحة،
السادةُ الوزراءُ والنواب،
أيها الحضورُ الكريم،
يسعدني أن ألبّيَ اليومَ دعوةَ صاحبِ السماحةِ مفتي الجمهوريةِ الشيخِ عبدِ اللطيفِ دريان، إلى المشاركةِ في حفلِ إفطارِ دارِ الفتوى، في أيامِ الرحمةِ من شهرِ رمضانَ المبارك، وذلكَ للمرةِ الأولى بعدَ توقفٍ قسريٍّ لسنواتٍ عدةٍ فرضتهُ ظروفٌ قاهرة.
ولعلَّ التدبيرَ الإلهيَّ شاء أن يتزامنَ هذا الشهرُ الفضيلُ مع زمنِ الصومِ الكبيرِ لدى الطوائفِ المسيحية. فالصومُ، بما يعنيهِ من ممارسةٍ روحيةٍ مشتركةٍ بين المسلمينَ والمسيحيين، هو التقربُ إلى اللهِ من خلالِ الصلاةِ والعبادةِ والتوبةِ والاستغفارِ والصبرِ وضبطِ النفسِ وتربيةِ الإرادةِ والتضامنِ مع الفقراءِ والمحتاجين، وهو ما نشاهدهُ ونلمسهُ في مجتمعِنا في هذا الشهرِ الكريم، والحمدُ لله.
وإذا كانَ الصومُ يعلّمُنا التضامنَ والوحدة، فإن رمضانَ يذكِّرُنا بأهميةِ المشاركةِ والانخراطِ الإيجابيِّ في قضايا وطنِنا. فلبنانُ الذي نعتزُّ بهِ جميعًا، هو وطنُ الرسالة والتنوعِ والتعددية، وطنٌ يتسعُ للجميعِ بمختلفِ انتماءاتِهم ومعتقداتِهم. ومن هنا تأتي أهميةُ المشاركةِ السياسيةِ لجميعِ شرائحِ المجتمعِ اللبناني، من دونِ تهميشٍ أو عزلٍ أو إقصاءٍ لأيِّ مكونٍ من مكوناتِه.
وإن هذهِ المشاركةَ تقومُ على مبدأٍ أساسٍ وهو احترامُ الدستورِ ووثيقةِ الوفاقِ الوطنيِّ، وتفسيرِهما الحقيقيِّ والقانونيِّ لا التفسيرِ السياسيِّ أو الطائفيِّ أو المذهبيِّ أو المصلحي. إن الدولةَ اللبنانيةَ بمؤسساتِها المختلفة، وبقدرِ حرصِها على حمايةِ التنوعِ اللبنانيِّ وخصوصيتِه، فإنها ملتزمةٌ، وقبلَ أيِّ شيءٍ، بحفظِ الكيانِ والشعب، فلا مشروعَ يعلو على مشروعِ الدولةِ القويةِ القادرةِ العادلة، التي ينبغي بناؤُها وتضافرُ جميعِ الجهودِ لأجلِ ذلك.
أيها الحفلُ الكريم،
في خضمِّ التحدياتِ التي يواجهُها وطنُنا، يبرزُ موضوعُ تنفيذِ القرارِ 1701 واتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ كقضيةٍ محوريةٍ تستدعي اهتمامَنا وعنايتَنا. فلا يمكنُ أن يستقرَّ لبنانُ ويزدهرَ في ظلِّ استمرارِ التوترِ على حدودِه الجنوبية، ولا يمكنُ أن تعودَ الحياةُ الطبيعيةُ إلى المناطقِ المتضررةِ من دونِ تطبيقِ القراراتِ الدوليةِ التي تضمنُ سيادةَ لبنانَ وأمنَهُ واستقرارَه، وانسحابَ المحتلِّ من أرضِنا وعودةَ الأسرى إلى أحضانِ وطنِهم وأهلِهم.
وهذا يوجبُ أيضًا وضعَ المجتمعِ الدوليِّ أمامَ مسؤولياتِه للإيفاءِ بضماناتِه وتعهداتِه، وتجسيدَ مواقفِه الداعمةِ للدولةِ ووضعِها موضعَ التنفيذ. إن إعادةَ إعمارِ ما دمرتْهُ الحربُ تتطلبُ منا جميعًا العملَ بجدٍّ وإخلاص، وتستدعي تضافرَ جهودِ الدولةِ في الداخلِ والخارج، والمجتمعِ المدنيِّ والأشقاءِ والأصدقاء، والقطاعِ الخاص، لكي نعيدَ بناءَ ما تهدم، ونضمدَ جراحَ المتضررين، ونفتحَ صفحةً جديدةً من تاريخِ لبنان.
أيها الحفلُ الكريم،
إن التحدياتِ التي يواجهُها لبنانُ كبيرةٌ ومتنوعة، لكن إرادةَ الحياةِ لدى اللبنانيينَ أكبرُ وأقوى، من أجلِ بناءِ لبنانَ القويِّ بدولتِه ومؤسساتِه، المزدهرِ باقتصادِه ومواردِه، المتألقِ بثقافتِه وحضارتِه، المتمسكِ بهويتِه وانتمائِه، المنفتحِ على محيطِه العربيِّ والعالمي.
ختامًا، أشكرُ صاحبَ الدارِ، سماحةَ مفتي الجمهوريةِ الشيخَ الدكتورَ عبدَ اللطيفِ دريان، على دعوتِه الكريمة.
كلُّ عامٍ وأنتم بخير، عشتم وعاشَ لبنان".