مايز عبيد

الثانية بعد "الكواشرة" في الوجود التركماني... لا لغة ولا تقاليد

أتراك عيدمون: "العلاقة المميّزة" بين بلد الأرز وبلد الجذور

19 آب 2019

01 : 09

ساحة البلدة... شارع تركيا

على كل مشروع أو إنجاز إنمائي، هناك علم أو لوحة للإشارة إلى أن هذا الإنجاز هو من تمويل الحكومة التركية. الولاء واضح للبنان بالوطنية فيما الرهان على تركيا بالإنماء والخدمات.

يشترك العلم التركي مع العلم اللبناني على بعض المنازل للدلالة على الأصول التركية، حتى أن الساحة العامة للبلدة أطلق عليها اسم "شارع تركيا" وهو أيضاً أحد أوجه الدعم التركي للبلدة. عيدمون الثانية بعد "الكواشرة" التي يقطنها عكاريون من أصل تركماني، وهي من البلدات والقرى الحدودية مع سوريا في منطقة "دريب عكار".

وتُعدّ "عيدمون" من البلدات العكارية الجميلة والمميزة بمنظرها وطقسها، ومن القرى الوادعة في عكار. وهناك مشاريع جمالية نفذتها البلدية أخيراً، أضفت على البلدة جمالاً، خصوصاً بوجود الحجر الأسود المعروف في منطقة الدريب. عادات أهالي القرية كلها لبنانية عكارية بامتياز وطابعها يشبه إلى حد بعيد الطابع العكاري السائد في معظم قرى عكار لا سيما قرى منطقة الدريب. فلا تقاليد خاصة من واقع العلاقة بتركيا ولا مناسبات في هذا الصدد، فالتقاليد هي كغيرها من القرى في النطاق الجغرافي العكاري.

ويتجمّع التركمان في عكار بشكل أساسي في بلدتي "عيدمون" و"الكواشرة" مع الفارق أن جميع سكان الثانية من الأصول التركية ومن الطائفة السنية في حين تجمع "عيدمون" بين سكانها البالغ تعدادهم نحو الـ5000 نسمة، الروم الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة في المغراقة، وهناك عدد من الشيعة والعلويين، فهي تقريباً تمثّل فسيفساء لبنان بشكل كامل.

العلاقة مع تركيا

فعلياً بدأت العلاقة بين أهالي "عيدمون" ودولة تركيا "بلد الحنين"، مع زمن حزب "العدالة والتنمية" والرئيس رجب طيب أردوغان عندما كان رئيساً للحكومة. من يقصد "عيدمون" الآن، يلاحظ كمّ المشاريع التي نفذتها الحكومة التركية في البلدة عبر وكالة التنمية التركية TiKA ويلاحظ وكأن كل ما في البلدة من مشاريع هي فقط بدعم تركي وكأن الإنماء في هذه البلدة هو فقط تركي، لكن هذا الأمر لم يلغِ أبداً تعلّق العيدمونيين بالبلد الأم لبنان وتمسكهم فيه، ويؤكدون هذين المحبة والتمسك بكل وضوح وعند كل استحقاق.


رئيس البلدية مصطفى إبراهيم والعلم التركي إلى جانب اللبناني عند المدخل


المشاريع التركية

يمكن القول إن أهم المشاريع التي شهدتها عيدمون هي من إنجاز الأتراك بفعل العلاقة بين أهل المنطقة وتركيا، ومنها المدرسة الرسمية في العام 2010 ومشروع شبكة مياه الشفة ومبنى البلدية وهو عبارة أيضاً عن مكتبة وقاعة عامة. كما أن هناك مشاريع أخرى إضافية قيد الدراسة بين الجانبين.

لا يعني كون أهالي "عيدمون" أو أغلبهم من أصول تركية، أنهم يعيشون عزلة بل على العكس، فتركمان عيدمون ينسجمون مع باقي أهالي البلدة من المسيحيين وغير المسيحيين وتُعتبر البلدة نموذجاً حقيقياً للتعايش بين أبنائها. وأما مع القرى والبلدات العكارية الأخرى، فهناك تعاون وتعامل على قاعدة الإحترام المتبادل.

من التقيناهم من أهالي البلدة وسألناهم عن تعلقهم بتركيا وأين يضعون صوتهم التفضيلي بين لبنان وتركيا كان الجواب: "نحن مواطنون لبنانيون ولا يمكن لأحد أن يزايد على لبنانيتنا. ونحن كعكاريين نعاني كما يعاني كل العكاريين من نقص الخدمات عبر الدولة. نعم لدينا علاقات مع السفارة التركية وبحكم الأصول التي تربطنا فهي مميزة ولكن علاقاتنا قائمة أيضاً مع السفارات السعودية والاماراتية والكويتية والروسية".

ويشكر رئيس بلدية "عيدمون" مصطفى إبراهيم الحكومة التركية وسفارتها في لبنان "على المساعدات التي تقدّمها الى البلدة وقرى عكارية أخرى أيضاً وعلى مساحة لبنان". ويقول لـ"نداء الوطن": "قدمت تركيا الكثير من المشاريع لبلدتنا وما زلنا أيضاً ننوي تقديم مشاريع أخرى إضافية فالحديقة العامة بالنسبة إلينا أولوية في هذه الفترة ونسعى معهم لإنشائها".


مشروع مياه بدعم تركي


وشدد على أن "عيدمون مثلها مثل كل البلدات العكارية لديها الهواجس نفسها والدولة اللبنانية مقصّرة تجاه كل البلدات العكارية. هناك خدمات ومشاريع عوضت تركيا بعضها لكن ذلك لا يعفي الدولة اللبنانية من مسؤوليتها تجاهنا كمواطنين لبنانيين لنا حقوق على دولتنا".

كما يؤكد ضرورة تحييد العلاقة مع تركيا عن التجاذبات السياسية، وأن يُنظر إليها من منطلق إيجابي يقوم على الحاجة إلى الدعم العلمي والثقافي والتكنولوجي وفي كل المجالات، والحفاظ على هوية التركمان في لبنان ومميزاتهم أيضاً. ويشير إلى أن تركمان عكار بغاية السعادة عندما تكون العلاقة بين تركيا ولبنان جيدة كما هي اليوم لأن ذلك من مصلحة لبنان قبل تركيا، لكن انتماءنا لبناني وأصيل أيضاً.

اللغة والسياسة

تركمان "عيدمون" لا يجيدون اللغة التركية كأقرانهم من أبناء الكواشرة. فهي محصورة فقط بمن أراد منهم السفر للتعلم في الجامعات التركية. السبب في ذلك أن من كانوا يتقنون اللغة وهم من كبار السنّ، قد فارقوا الحياة وأبناء البلدة التركمان يتواصلون مع باقي أهالي البلدة من غير التركمان ومع الجوار باللغة العربية والإتجاه إلى الإنكليزية كلغة ثانية بحكم متطلبات العمل. أما سياسياً فتبدو "عيدمون" بالسياسة طابعها أزرق، الإنتماء السياسي بشكل أساسي لأهالي البلدة هو إلى "تيار المستقبل"، وهناك شعبية واسعة يحظى بها النائب هادي حبيش ترجمت في صناديق الإقتراع العام الماضي.

قبل سنوات زار الرئيس التركي أردوغان مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بلدة عيدمون وأعلنا عن عدد من المشاريع التنموية، وما يتمناه العيدمونيون دائماً بقاء العلاقة الطيبة بين بلد الأرز وبلد الحنين إلى الجذور.


MISS 3