ليس تفصيلاً أن يصدر عن رئيس الحكومة نواف سلام تصريح يقول فيه إن شعار «شعب جيش مقاومة» أصبح من الماضي. إنه الموقف الأقوى للشرعية اللبنانية وبعده لم يعد من الجائز التبرع بتفسيرات التفافية لما ورد في البيان الوزاري، وحتى في خطاب القسم. لقد قطع نواف سلام الغموض بالوضوح.
وموقف كهذا يعادل في «تاريخيته» إلغاء «اتفاقية القاهرة» التي أباحت حرية التحرك العسكري للمنظمات الفلسطينية في الجنوب. الاتفاقية وقعت عام 1969 وألغاها مجلس النواب في عام 1987. إلغاء تلك الاتفاقية أصبح وثيقة رسمية، بينما كلام سلام فهو «وثيقة تاريخية»، ربما تفوق بدلالتها السياسية إلغاء «اتفاقية القاهرة».
لو صدر هذا الموقف في أيار عام 2000 لكنا تجنبنا كل الويلات التي تتالت تحت ذرائع مزارع شبعا و«إسناد غزة». نظام آل الأسد وإيران حالا سابقاً دون موقف لبناني من عيار شطب «الثلاثية الخشبية»، كما وصفها يوماً الرئيس الأسبق ميشال سليمان. القرار اللبناني يسير على طريق التحرر، ولا يملك «حزب الله» إلا التهويل الإعلامي وأصوات ضعيفة على طاولة مجلس الوزراء.
تبقى مسألة أخرى، وهي الخروقات الإسرائيلية. لا شك أن إسرائيل، ومنذ وقف إطلاق النار، لم توقف اعتداءاتها. المشكلة أن «حزب الله» يمارس ضغطاً سياسياً على الحكومة ويريدها أن تفشل حيث فشل هو. بعد «إسناد غزة» الفاشل والكارثي، يريد أن تتبع الحكومة سياسة إسناد «حزب الله». بعبارة أخرى، يريد أن تستعمل الحكومة ورقة المُخاطرة العسكرية المعروفة النتائج سلفاً، بدلاً من أقوى ورقة، وهي الدبلوماسية.
ويريد أن تصاب الحكومة بما أصابه من هذيان لتصبح الهزيمة شاملة، ولتُقفل كل أبواب لملمة آثار العدوان وما تبعه من وقائع نقلت المنطقة برمتها إلى مرحلة مختلفة جذرياً عما كان قبل «7 أكتوبر». بعد إطلاق بضعة صواريخ بدائية السبت، سارع «حزب الله» إلى بيان ينفي فيه مسؤوليته، والأهم تأكيده على التزامه بوقف إطلاق النار. ولكن الترتيبات التي اتّفق عليها في 27 تشرين الثاني الماضي تتضمن أكثر من مجرد وقف إطلاق نار. وسلسلة استهداف إسرائيل لعناصر عسكرية لـ «الحزب» تطرح شكوكاً حول أن من يخرق الترتيبات هي إسرائيل وحدها. والدليل على ذلك نظرية جنوب الليطاني وشماله، فوفقاً للترتيبات وللقرار 1701، جنوب الليطاني هو منطلق مسار تفكيك بنية «حزب الله» العسكرية ليتوسع إلى كل لبنان.
التمسك بتكتيك «المقاومة عن بُعد» بعد انتهاء دور السلاح جنوب الليطاني، يبدو عبثياً، وعصياناً متمادياً لسلطة الدولة. على كل حال، إحالة نواف سلام الثلاثية الخشبية إلى مستودع التاريخ، يعني، حكماً، أن «الحزب» الذي يتشبث بالماضي في عقيدته، يتجه نحو ماضي السياسة اللبنانية، إن لم يتكيف مع الوقائع. في العمق، هذا التكيف مساره عسير جداً.