ماريو ملكون

من يخرج عن التضامن الحكومي؟

يبدو أنّ "حزب اللّه" وبعد انكشافه كلّياً أمام بيئته، على أثر سقوط كافة سرديّاته العسكرية والأمنية والسياسية، وبعد أن وقّع على اتفاق مع إسرائيل، يُقرّ خلاله بانتهاء دوره العسكري واستطراداً بختم أي دور أو وجود أو مستقبل لسلاحه، يلتفّ إلى الداخل، لتغطية كلّ ما سبق، من خلال العبث بالوقائع والنّصوص، بشكل مباشر وغير مباشر، وفي بعض الأحيان بالواسطة، وذلك عبر تحميل نتائج حروبه العبثية وإخفاقات طروحاته، إلى وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، وسط اتّهامه بالخروج عن التضامن الحكومي والانقلاب على البيان الوزاري، فهل فعلاً ارتكب الوزير رجّي هذين الذنبين؟ ما حقيقة الأمر؟


في المبدأ، إنّ أولى ركائز التضامن الحكومي هي حفظ مداولات مجلس الوزراء، أي إنّه من البديهي عدم خروج الوزراء إلى العلن للحديث عن اختلافات ومناوشات حصلت أثناء النقاشات على طاولة المجلس، وذلك حرصاً على إبقاء صورة إيجابية من التكاتف بين المكوّنات الوزارية. أما في 27 شباط الماضي، حين استضاف الإعلامي مارسيل غانم، بشكل منفصل، الوزير رجّي ووزيرة البيئة تمارا الزين، ولدى سؤالهما عن بعض ما سُرّب في الإعلام من نقاشات حادّة وقعت بينهما أثناء البحث بالبيان الوزاري قبل إقراره، فكان لافتاً الحرص الشديد لدى وزير الخارجية بعدم الحديث عن أي أمر جرى على طاولة الحكومة وتأكيده أنّ ما يحصل داخل الاجتماعات الوزارية يجب أن يبقى داخلها، في حين أنّ الزين، المحسوبة على "الثنائي" الحزبي الشيعي وتحديداً "حركة أمل"، لم تترك "ستر مغطّى" إلّا وأدلت به عن اختلافات وجهات النظر بينها وبين رجّي خلال المداولات. فمَن يكون الطرف الحريص على التضامن الوزاري بينهما؟


وعلى المقلب الآخر، نُظّمت اتهامات بالجملة والمفرق للوزير رجّي بأنّه بكلامه مؤخّراً، قد انقلب على مضمون البيان الوزاري، وتحديداً لدى اعتباره أنّه لا يمكن الاستمرار بسلاح خارج سلاح الدولة، وبأنّ "حزب اللّه" يتنصّل من التزاماته تجاه اتفاق وقف إطلاق النار، في حين أنّ ما قاله وزير الخارجية، هو في شقّه الأوّل، ينطبق تماماً مع ما قاله رئيس الجمهورية في خطاب القسم وفي مرات عدة، كما مع ما قاله رئيس الحكومة في خطابه الأول للبنانيين وصولاً لتصريحه الأخير عن أنّ شعار "جيش شعب مقاومة" أصبح من الماضي، وأنّ صفحة سلاح "حزب اللّه" قد انطوت، وقد أكّد في التصريح نفسه، عطفاً على ما تمّ تسويقه من قبل "الممانعين" أنّ الوزير رجّي يُخالف مضمون البيان الوزاري، حيث قال "كل الوزراء ملتزمون بما جاء في البيان الوزاري"، توازياً مع ذلك، يأتي كلام الزين كنسفٍ فاضح للبيان الوزاري، حيث قالت في أحد تصاريحها "سلاح حزب اللّه يناقش ضمن استراتيجية الأمن القومي" وإنّ "الاحتلال يتيح الحق بالمقاومة"، في حين أنّ نصّ البيان كان واضحاً لجهة "احتكار الدولة السلاح بقواها الذاتية حصراً"، وكلام البيان على استراتيجية الأمن الوطني لا يرتبط بسلاح "الحزب" كما يحلو للزين وفريقها السياسي التفسير، عدا عن خلوّ البيان من أي كلمة مقاومة.


وفي الشقّ الثاني من كلام رجّي، عن تنصّل "حزب اللّه" من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ومناقضته مضمون البيان الوزاري، فالأمر لا يحتاج للكثير من الدلائل، كي يظهر أنّ ما ادّعاه النائب ابراهيم الموسوي عن التزام "حزب اللّه" بذلك ليس سوى سردٍ ساقط، فالاتفاق كما البيان، أكد في مضمونه على تطبيق القرارات الدولية التي تدعو لإنهاء كل المجموعات المسلّحة خارج إطار الدولة، والبدء بتفكيك البنى العسكرية والأمنية وتسليم السلاح بدءاً بجنوب الليطاني حتى كامل الأراضي اللبنانية، الأمر الذي لا يحصل من قبل "حزب اللّه" الممثّل في الحكومة، لا بل يُقابَل بتأكيد التمسّك بالمعادلات والسرديّات الخشبية التي لم تجرّ سوى الويلات والدمار والموت على لبنان واللبنانيّين.


إنّ الانقلاب على التضامن الحكومي والبيان الوزاري، شعاره واحد "لأجل سلاح حزب اللّه ننسف كل شرعية وكل إجماع وكل شراكة"، فهل يخرج رئيسا الجمهورية والحكومة، لوضع حدّ لتمادي الخارجين عن إطار الدولة عن حدّهم بتسمية الأمور بأسمائها، والمباشرة بتنفيذ ما يجب تنفيذه لقيام الدولة بالقول لا بالخطابات فقط؟ إنّ استعادة خارجية لبنان قرارها اللبناني يجب ألّا يكون الاستثناء، بل القاعدة، وأمام الداخل "عبرة رجّي"، كي يعتبر ويُباشر.