بعد التظاهرات الحاشدة ضدّ الحكومة التركية التي شهدتها عدّة أقاليم في البلاد الأحد، إثر صدور قرار قضائي بسجن المنافس السياسي الأبرز للرئيس رجب طيب أردوغان، رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو، الموقوف منذ الأربعاء الماضي والذي عزل من منصبه ونقل إلى السجن الأحد، بانتظار محاكمته بتهم فساد ينفيها، يبدو أن أردوغان لا يزال مصدوماً من هول الاحتجاجات الصاخبة ضدّ إدارته، التي تتخذ طابعاً استبدادياً، ويحاول تحريف الأمور وإلقاء اللوم على معارضيه، إذ اعتبر أمس أن تظاهرات المعارضة تحوّلت إلى «حركة عنف»، محمّلاً حزب «الشعب الجمهوري»، الذي ينتمي إليه إمام أوغلو والذي رشّح الأخير رسمياً إلى الرئاسة التركية أمس بعدما صوّت نحو 15 مليون تركي لمصلحته الأحد، المسؤولية عن أي ضرر بالممتلكات أو أذى يلحق بأفراد الشرطة خلال الاحتجاجات.
وبعد اجتماع لمجلس الوزراء في أنقرة، طالب أردوغان «الشعب الجمهوري» بالتوقف عن «تحريض» المواطنين، معتبراً أن «استعراض» أعضاء الحزب سينتهي في النهاية وسيشعرون بالخجل من «الشر» الذي فعلوه ببلدهم. كما زعم بأن الأحداث الأخيرة أظهرت أن «الشعب الجمهوري» غير مؤهّل لإدارة البلديات المحلّية، ناهيك عن إدارة شؤون البلاد، بينما كشفت السلطات اعتقال أكثر من 1300 متظاهر في أنحاء البلاد منذ خروج المواطنين إلى الشارع، موضحة أن 123 من أفراد الشرطة أصيبوا خلال الاحتجاجات. وجزمت بأن الحكومة لن تسمح «بإرهاب الشوارع».
وفي إطار حملة القمع التي تشنها السلطات التركية، تحدّثت الجمعية التركية للدفاع عن حقوق الإنسان عن اعتقال 10 صحافيين، من بينهم مصوّر من وكالة «فرانس برس»، في وقت خرجت فيه تظاهرات جديدة مساء أمس.
وفي ظلّ تأييد الغالبية العظمى من وسائل الإعلام التركية الرئيسية الحكومة، بحيث لم تعرض القنوات الكبرى سوى القليل من لقطات التظاهرات التي عمّت البلاد، دعا رئيس «الشعب الجمهوري» أوزغور أوزال أمام مئات الآلاف من أنصار الحزب في اسطنبول الأحد، إلى مقاطعة القنوات التي «تتجاهل الأحداث الجارية»، متهماً المعلنين على تلك القنوات بالاستفادة من ناخبي المعارضة في الوقت الذي «يخدمون فيه قصر أردوغان». وتعهّد بضمّهم قريباً إلى لائحة مالكي وسائل الإعلام المستهدفين.
وكانت الهيئة العليا للإذاعة والتلفزيون في تركيا، وهي هيئة معنية بمراقبة البث، قد حذرت السبت المحطات التي تبثّ تغطية مباشرة للتظاهرات، من احتمال مواجهتها إلغاء تراخيصها بسبب البث «المتحيّز». كما أوقفت منصّة «إكس» الوصول إلى مئات الحسابات الأسبوع الماضي، بناء على طلب من أنقرة.
دبلوماسياً، استبعدت أثينا عقد اجتماع لمجلس التعاون الرفيع المستوى بين اليونان وتركيا في أنقرة قريباً، في ظلّ الظروف الراهنة، معتبرة أن الوضع في تركيا «مقلق» وأن اليونان تراقبه وتبقى متمسّكة بموقفها الرافض للتنازلات على حساب «سيادة القانون والحرّيات السياسية».