عيسى يحيى

المونة الشتوية "زوّادة" البقاعيين للأيام الصعبة القادمة

10 تشرين الأول 2020

02 : 00

الكشك هو الترويقة المفضّلة لجميع أبناء المنطقة

تدخل المونة الشتوية في صلب الأساسيات التي يحتاجها البقاعيون وتُعدّها النساء لمواجهة فصل الشتاء، حيث تمتاز المنطقة بهذه الفرادة التي أصبحت تقليداً تراثياً درج الأهالي على اتباعه، في حين تُشكّل لعدد من النسوة مصدر رزق، فكيف الحال في هذه الأيام والأوقات العصيبة التي تمرّ على اللبنانيين؟

هذا العام شمل الإقبال على تحضير المونة مختلف العائلات في القرى والمدن البقاعية معاً، مترافقاً مع تحضير أصنافٍ جديدة، نظراً الى الأوضاع الإقتصادية الصعبة والغلاء الذي يرتفع يوماً بعد يوم، وانعدام قدرة المواطنين الشرائية. ببركة الأيادي الممزوجة بعرق الجبين، تبدأ النساء بتحضير الكشك، القاورما، المكدوس، ربّ البندورة، المقدّدات من الخضار والفواكه، الأمبريس، المربيات، البرغل، التين المجفّف والزبيب، الكبيس والمخلّلات، الزيت والزيتون، وغيرها من الأصناف التي لا بدّ منها ولا غنى عنها في أي منزل، وِفق ما تقول ربّات البيوت اللواتي يفضّلن أن تكون المونة تحت مرمى أيديهن في سبيل الإكتفاء الذاتي الضروري اليوم لمواجهة الأزمة.

رحلة الحاجة أم علي مع تحضير المونة شاقّة ومُتعبة، وِفق ما تقول لـ"نداء الوطن"، حيث تبدأ أواخر نيسان مع تركيب جرّة الفخّار لتحضير"الأمبريس"، فتضع فيها الحليب على مدى أشهر، وتضيف بأنّ للأمبريس عمله الخاص ويجب أن يُنجز بعناية ويضاف الحليب في أوقات محدّدة بعد أن يخرج الماء من الجرّة. وبعد الصليب الكبير، وهو أحد تواقيت كبار السنّ، تُفرغ الحاجة أم علي الأمبريس من الجرّة وتضعه في أوانٍ زجاجية ويصبح جاهزاً للأكل، ويبقى على مدار عامٍ كامل ليكون زينة طاولة الفطور في القرى.

وتتابع أم علي: "الكشك والمكدوس هما أكثر الانواع من المونة يحتاجان لجهدٍ وعمل، حيث تجتمع النسوة في الكثير من القرى لمساعدة بعضهن حتى أصبحت عادةً سنوية، فالكشك هو عبارة عن برغل يُنقع باللبن على مدى ايام مع بداية برودة الطقس، وقبل طحنه في المطحنة ينشر على السطح حتى ييبس، ثم يطحن وينشر لأيام أخرى وبعدها يوضّب في أوانٍ وجرار فخارية للحفاظ على نكهته وطعمته التي تمتزج بالقاورما البلدية وهي الترويقة المفضّلة لجميع أبناء المنطقة".

غير أن "القاورما" هذا العام كانت بعيدة المنال عن الكثيرين بسبب إرتفاع اسعار اللحوم والمواشي، وفيما كان سعر الخروف لا يتجاوز الثلاثمئة ألف ليرة كل عام، وصل هذا العام إلى ما فوق المليون ليرة ما دفع بالكثيرين إلى الإستغناء عن القاورما بالرغم من أنها مادة أساسية للطبخ في الشتاء مع الحبوب وغيرها وبديلاً من اللحوم. أما المكدوس، وهو عبارة عن باذنجان مسلوق ينشف من الماء وتوضع حشوة بداخله عبارة عن فليفلة حمراء وجوز وزيت، فتقول الحاجة أم علي أنه يحتاج ليومين من العمل وهو أساسي في كل منزل. أما مقدّدات الخضار كاللوبيا، والبندورة والكوسا وغيرها الكثير من الأصناف فهي تُقطّع وتملّح وتنشر على الأسطح على قماشٍ أبيض لتَيبس، قبل ان توضّب لتكون جاهزةً للطبخ في الشتاء. وتؤكد أم علي "أنّ الكبيس والمربّيات على اختلافها، ضرورية ايضاً، فلا تحلو "السفرة" إلا بصحون المربّى والكبيس إضافةً إلى الزيتون البلدي الذي يُعدّ وفق الأصول".

الكثير من الأصناف التي تحضّرها النساء في البقاع، بالرغم من تكاليفها المادية، أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من عادات المنطقة وتقاليدها، مصحوبةً بالإعداد لمواجهة ما ينتظره المواطنون في الأيام الصعبة القادمة.