ويليام شريفر

الصين قادرة على رسم مستقبل باكستان

10 تشرين الأول 2020

المصدر: The National Interest

02 : 01

رسّخت الصين وجودها في جنوب آسيا في العام 2020. خلال الأشهر القليلة الماضية، تدهورت العلاقات الصينية الهندية سريعاً بعد احتدام المواجهة بين البلدين في منطقة "أكساي تشين" المتنازع عليها التي تشهد صراعات متقطعة منذ فترة الخمسينات. على صعيد آخر، تابعت العلاقات الصينية الباكستانية ازدهارها وقد استخف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بأولى مراحل انتشار فيروس كورونا في الصين وباكستان. تراجع هذا الأخير عن انتقاداته للصين لأن باكستان تستفيد من استثمارات بقيمة مليارات الدولارات من خلال "مبادرة الحزام والطريق".

يمكن رصد دور الصين في المنطقة إذاً عبر هذين المشهدَين المتوازيَين: علاقة اتخذت منحىً متفجراً وقبيحاً من جهة، وعلاقة أخرى تتابع تطورها رغم صعوبة الظروف من جهة أخرى. ومن المتوقع أن تتوسع الفجوة بين علاقات بكين مع الهند وباكستان فيما تحاول الصين والهند طرح نفسَيها كقوتَين بارزتَين في المنطقة.

لطالما كانت الحدود الشمالية الهندية على طول "شينجيانغ" الصينية نقطة اشتعال خطيرة في المنطقة. لكن تعاون رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس الصيني شي جين بينغ لبناء "روحية ووهان" و"صلة وصل تشيناي" بعد النزاعات الحدودية في العامَين 2018 و2019. مع ذلك، بدأت العلاقات الثنائية تتدهور بكل وضوح غداة اشتباك حدودي في شهر أيار الماضي، حين تقاتل حوالى 150 جندياً هندياً وصينياً وتبادلوا اللكمات وعبارات التهكم. وفي حزيران، وقعت مواجهة عنيفة أخرى في وادي "غلوان" هذه المرة، وتشير التقارير إلى مقتل 20 جندياً هندياً و43 جندياً صينياً. أدت هذه الحوادث إلى بلوغ التوتر على الحدود أعلى مستوياته منذ العام 1962.



رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان مصافحاً الرئيس الصيني شي جين بينغ - بكين 9 تشرين الأول 2019 (أرشيف)



يدرك جميع مراقبي المنطقة أن العلاقة المتنامية بين الصين وباكستان تُعتبر من أهم التطورات في السياسة الخارجية في منطقة جنوب آسيا. لا تخوض باكستان أي نزاعات حدودية خطيرة مع الصين، لكن من المفيد أن نراقب طريقة تعاملها مع المشاكل الصحية، منها أزمة فيروس كورونا، مقارنةً بالهند. كان عمران خان داعماً قوياً للعلاقات الباكستانية الصينية منذ توليه منصبه. وفي السنة الماضية، تجاهل خان الإبادة الجماعية بحق مسلمي الإيغور في "شينجيانغ" وعبّر عن دعمه العلني للقانون الأمني المثير للجدل الذي فرضته الصين على هونغ كونغ، كما أنه يصرّ على الاقتداء بالصين في ظل أزمة كورونا لأن بكين تستثمر حوالى 60 مليار دولار في باكستان عبر مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

منذ بداية أزمة كورونا، حاول خان الاستخفاف بالفيروس والسير على خطى الصين. وعندما اجتاح الوباء بر الصين الرئيسي واحتُجز مئات الطلاب الباكستانيين هناك في وقتٍ سابق من هذه السنة، رفض خان وباكستان عموماً إنقاذ 800 طالب. أصرّ خان على عجز باكستان عن التعامل مع الوباء، لكنه أكد في إحدى تغريداته في شهر شباط الماضي على وقوف باكستان إلى جانب الصين حكومةً وشعباً في هذه الأوقات الصعبة وشدد على دعم البلد للصينيين في جميع الظروف، مع أنه كان يدير ظهره لمواطنيه في الوقت نفسه. من الواضح أن خان أعطى الأولوية لعلاقته المحورية مع الصين أكثر من حاجات المواطنين في بلده. بعد مرور شهر، أكد خان على مواقفه السابقة فقال: "خلال بضعة أيام، سيعود الوضع إلى طبيعته... هذا الفيروس هو نوع من الإنفلونزا لكنه ينتشر بسرعة". كان واضحاً أن الفيروس ليس طبيعياً، ومع ذلك عَكَس خان حينها مواقف تشبه آراء حكام مستبدين من أمثال فلاديمير بوتين ودونالد ترامب وجايير بولسونارو. أثبت خان بذلك أنه مستعد لتجاهل فيروس قاتل للحفاظ على العلاقات الصينية الباكستانية واسترضاء المسؤولين الصينيين.

لكنّ ذلك الاسترضاء لم يقتصر على ملف فيروس كورونا ومواقف عمران خان. عند سؤال سفير باكستان لدى الولايات المتحدة، أسد مجيد خان، عن السبب الذي يجعل باكستان، التي كانت تدعم القضايا الإسلامية لفترة طويلة، تتجاهل وضع أكثر من مليون شخص من مسلمي الإيغور في معسكرات الاعتقال في "شينجيانغ"، أجاب قائلاً: "نحن [باكستان] لا نُعلّق في العادة على الشؤون الداخلية لبلدان أخرى، لا سيما الدول الصديقة منها. لا يمكن تشبيه الوضع بكلامنا عن انتهاك الهند لحقوق الإنسان في كشمير لأن الصين لم تتطرق يوماً إلى تلك المسائل معنا... نحن لا نتكلم عن هذه المواضيع علناً نظراً إلى طبيعة العلاقة التي تربطنا مع الصين". أراد السفير أن يقول إن باكستان تشيح بوجهها عن انتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة بحق المسلمين بسبب علاقة المصلحة التي تجمعها بالصين. يختلف الوضع بشدة عن علاقة البلد بالهند، فقد سارعت باكستان إلى استنكار انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة الهندية ضد المسلمين في كشمير، وهو موقف محق. أمام هذه المفارقة الكبرى، اتضحت البلدان التي تتجاهل فيها باكستان حقوق الإنسان: هي تعطي الأفضلية للصين طبعاً.

يصعب أن تؤيد باكستان الصين بالكامل نظراً إلى سلوكها الشائك، لكن أكدت الحكومة الباكستانيـــة على استعدادها لدعم الصين كي تمضي قدماً رغم كل شيء. واجه الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني عقبات عدة خلال أزمة كورونا هذه السنة، ومع ذلك كرر رئيس الوزراء خان دعمه لإنهاء هذا المشروع "بأي ثمن". لكن من المتوقع أن يتصاعد التوتر الكامن بين الصين وباكستان إذا لم يُنجَز الممر بالشكل المناسب أو ضمن المهلة المتفق عليها.

دافع رئيس الوزراء علناً عن الصين في مسائل مثيرة للجدل مقابل الاستثمارات التي تقوم بها بكين في بلده وتأمل باكستان في أن تصبح الصين حليفة دائمة لإسلام آباد. لكن قد يواجه هذا الدعم غير المشروط اختباراً صعباً في حال وقوع اعتداء مشابه لما حصل في منطقة "بولواما"، لأن باكستان تتمنى أن تسارع الصين إلى دعمها مثلما تدعم الولايات المتحدة الهند علناً خلال الأزمة الحدودية الأخيرة. قد يؤدي أي نوع من المناوشات بين الهند وباكستان إلى اختبار قوة أهم جهتَين مؤثرتَين في المنطقة: الصين والولايات المتحدة. هل ستسارع الصين إلى الدفاع علناً عن باكستان والتعبير عن دعمها لها؟ وهل ستقبل الهند بمساعدة الولايات المتحدة أو تطلب مساعدتها في حال اندلاع أي حرب؟ وكيف سيكون التعامل بين الولايات المتحدة والصين في ظروف مماثلة في منطقة جنوب آسيا؟ إذا تراجعت الصين في زمن الأزمات، ستصبح باكستان وحيدة في وجه الصعاب. لكن إذا أثبتت الصين قدرتها على مواجهة المواقف الشائكة، ستفرض تحالفاً حقيقياً وواسع النطاق بين البلدين.





هذا الوضع قد يختبر مدى قوة التحالفات القائمة ويوسّع هامش الشفافية حول مختلف الديناميات في جنوب آسيا. من الضروري أن نراقب طريقة تفاعل تلك البلدان في ما بينها خلال وقت الأزمات والاضطرابات، كما يحصل في الوقت الراهن. بدأت الهند والصين محادثات حول الحدود وقد تحسنت علاقتهما بدرجة كبيرة مقارنةً بما كان الوضع عليه منذ شهرين. لكن يجب أن يتابع البلدان المحادثات المباشرة إذ يسهل أن يندلع صراع آخر على الحدود في تلك المنطقة المتنازع عليها. سيستفيد البلدان من ترسيم الحدود على المدى الطويل وإذا استمرت هذه المحادثات وأعطت نتائج مثمرة، قد تعود العلاقات الثنائية في نهاية المطاف إلى وضع المراوحة السابق. يجب أن تتعاون الهند والصين عن قرب لمنع أي صراع مستقبلي واستخلاص الدروس من المواجهة التي اندلعت في الأشهر القليلة الماضية للاستفادة منها في المستقبل. حتى أن النزاع الحدودي بين البلدين قد ينعكس بشدة على المنافسة الدولية التي تخوضها الولايات المتحدة والصين في آسيا. لكن يمكن تجنب هذا الوضع عبر إقامة علاقة أكثر سلمية بين الهند والصين وتعزيز التعاون بينهما.

لا تزال هذه الاضطرابات العميقة بين الهند وباكستان مستمرة حتى اليوم، ويمكن رصد مظاهر الاختلاف عبر الأساليب المتناقضة التي يستعملها البلدان للتواصل مع الصين. تخوض الهند والصين نزاعاً حدودياً سنوياً وقد تصاعد التوتر اليوم لدرجة أن يتحول إلى اشتباك قاتل ويترافق مع تدهور العلاقات بدرجة غير مسبوقة. ارتكزت النقاشات الداخلية الأخيرة في الهند على مقاربة واقعية تجاه الصين، رغم إصرار بكين على تجاوز الحدود الهندية. لكن على الجانب الآخر من "خط السيطرة"، تابعت باكستان محاولات تقليص الدور الصيني في جنوب آسيا. استخف رئيس الوزراء الباكستاني بخطورة فيروس كورونا وهو يرفض انتقاد الرئيس الصيني شي جين بينغ في أحداث "شينجيانغ". وفي ظل تفاعل هذه الدول المسلّحة نووياً، من الضروري أن نراقب الثلاثي الصيني الباكستاني الهندي الذي يشهد تطورات غير مسبوقة. فيما تتابع الصين استعراض أموالها وقوتها في جنوب آسيا، تتوسّع الفجوة في علاقات الهند وباكستان مع الصين بوتيرة متزايدة. يوحي هذا الوضع بأن الصين ستصبح لاعبة إقليمية كبرى. ستتباعد الهند والصين إذاً فيما تستمر المواجهة المباشرة بين البلدين. في غضون ذلك، ستتابع باكستان والصين التقرب من بعضهما تمهيداً لنشوء علاقة إقليمية محورية بينهما.


MISS 3