خالد أبو شقرا

كلّما ارتفع "المعاش" وانخفضت قيمة الليرة ازدادت نسبة الاقتطاع لصالح القطاع المصرفي

الرواتب الموطّنة بالدولار تُنتهك من التعميم 151 واستنسابية البنوك

14 تشرين الأول 2020

02 : 01

كلما انخفض سعر صرف الليرة تنخفض القدرة الشرائية لأصحاب الرواتب الموطنة بالدولار (فضل عيتاني)
تتسم التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان في الآونة الاخيرة بقشرة رقيقة من "المصلحة العامة"، تغلّف طبقة من الأشواك الغليظة مهمتها حماية النواة. بيد ان هذا الغلاف سرعان ما ينفجر عندما توضع التعاميم موضع التنفيذ، فتتعرى من أي طابع يحمل منفعة عامة أو حتى خاصة، أقله بالنسبة إلى المودعين العاديين.




انتظر جموع الأجراء الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي إجراء تعديل على التعميم رقم 151 الصادر في 21 نيسان الماضي من دون جدوى. فالتعميم الشهير الذي فُردت له خانة خاصة على شاشات الصرافات الآلية، ويتسابق موظفو المصارف على ذكره أمام عملائهم بشكل سؤال عند أي عملية سحب من الصندوق، يحتوي على عيب بنيوي. فعدا عن انه يحوّل تلقائياً الحسابات الموضوعة بالدولار إلى الليرة، فهو لم يحدد الحد الأدنى المسموح سحبه بحسب سعر المنصة (3200 ليرة عند صدور التعميم قبل ان ترتفع إلى 3900 مؤخراً)، بل ترك للمصارف حرية تحديدها. وذلك على عكس السقف الأعلى الذي حدده بـ 5 آلاف دولار شهرياً. وعلى هذا الاساس عمدت أغلبية المصارف إلى تحديد الحد الأدنى بـ 400 دولار شهرياً، وإذا تكارمت فـ 500، تدفع على أساس سعر المنصة، فيما تحتسب المبالغ المسحوبة الاضافية على سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان بـ1507.5

الرواتب الموطنة بالدولار تدفع الثمن الأكبر

هذا الواقع فيه الكثير من التجنّي، إذا لم نقل "الإجرام"، بحق طبقة كبيرة من الأجراء الموطنة رواتبهم بالدولار. فمع كل تراجع في سعر صرف الليرة ترتفع النسبة المقتطعة من أجورهم من دون وجه حق. وللتوضيح أكثر، فان من يبلغ راتبه 1000 دولار اميركي، لا يتقاضى منه بحسب هذا التعميم إلا 2 مليون و460 الف ليرة ($400*3900+600$*1500)، بدل ان يكون المبلغ 3 ملايين و900 الف ليرة، بأقل إيمان. وهذا ما يمثل Haircut مباشر بنسبة 36 في المئة، إذا كان المقياس سعر صرف المنصة. في حين ان الخسارة الفعلية لدخل الاجير تتجاوز 70 في المئة، إذا أخذنا سعر الصرف في السوق الثانوية البالغ 8500 ليرة كمقياس. وبالتالي كلما زاد الراتب أو انخفض سعر صرف الليرة في السوق الثانوية ارتفعت خسارة أصحاب الرواتب الموطنة بالدولار، وخسروا اكثر من قدرتهم الشرائية.


التعميم 151 يجافي الحق

التعميم 151 ساوى الودائع بالدولار مع الرواتب الموطنة، في حين ان المنطق يفترض بحسب عضو "رابطة المودعين" هادي جعفر استثناء الاخيرة، لانها: أولاً، تشكل المصدر الوحيد لدخل عشرات آلاف الأجراء في القطاع الخاص. وثانياً، لكونها إجبارية تفرضها الشركات على عمالها، وليست اختيارية أو طوعية تتحدد بحسب رغبة الأجير. وثالثاً، لانها تخالف عقد العمل، وتشكل إخلالاً ببند احتساب الأجر الذي على أساسه ارتضى الأجير العمل. ورابعاً والأهم، لان الهدف من وجودها في المصرف هو تأمين المعيشة وليس الادخار أو الاستثمار أو الاستفادة من الفوائد". وبحسب جعفر فان "ما ينطبق ظلماً على أصحاب الرواتب الموطنة بالدولار ينطبق على كافة المتعاملين مع المصارف. حيث لا يحق لأي مصرف وضع قيود على السحوبات من ودائعهم في ظل غياب قانون "الكابيتال كونترول". وبرأيه "لو تم الاتفاق على قانون واضح وعادل وشفاف لـ "الكابيتال كونترول" منذ بداية الازمة يقدّم حلاً شاملاً، ويساوي بين الجميع، لما كنا وصلنا إلى هذا الدرك من التعامل.

لكن مع الاسف فان ما حصل "هو تسليم السلطة السياسية أمرها لـ "الحاكم" لمعرفتها المسبقة بقدرته على حماية تجاوزاتها خلال السنوات الماضية" يقول جعفر. فـ"استبدلت إقرار القوانين بالتعاميم لكونها أضعف من مواجهة الرأي العام بمشروع قانون "كابيتال كونترول" حقيقي وعادل، وأعجز من ان تقف في وجه أركانها الذين استفادوا من غياب القوانين الرادعة، وحولوا المليارات من حساباتهم على حساب بقية المودعين والموظفين".


تضخم الكتلة النقدية بالليرة عامل غير مساعد

يتطلب التوسع في دفع كامل الرواتب الموطنة بالدولار بحسب سعر المنصة، من وجهة نظر اقتصادية، مزيداً من خلق النقود. والمشكلة ان هذه العملية لا تتم قياساً إلى النمو الاقتصادي، أو مقابل تدفقات العملات الصعبة من الخارج سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، انما من طباعة النقود. وهو ما يخلق تضخماً وارتفاعاً في الاسعار، ويعمق الازمة أكثر. فالكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ارتفعت منذ بداية العام الحالي بنسبة 300 في المئة وبلغت حتى تشرين الاول حوالى 24 الف مليار ليرة، بالمقارنة مع 5860 ملياراً في بداية العام 2019. ما يعني ان تجاوز السقوف الموضوعة من المصارف وبحسب تعميم مصرف لبنان رقم 151 ستكون نتيجتها سلبية وسيأخذ ارتفاع الاسعار باليسار ما يعطيه رفع السقوف باليمين.


إذاً ما الحل؟

العضو في رابطة المودعين نزار غانم يرى من جهته ان "الحل يتمثل في تسييل اصول وموجودات المصارف وتوظيف الاحتياطي في النشاط الاقتصادي". فكل السياسات الاقتصادية المتبعة اليوم "لا تغني عن جوع" .كما ان القضاء يتحمل من وجهة نظره "مسؤولية ما لحق بالمودعين من انتهاك لحقوقهم. فالاستنسابية التي يتعامل بها، وعدم ضربه بيد من حديد كل التجاوزات التي سمحت باخراج اموال من الودائع التي تعود إلى الـ 1 في المئة من المودعين في حين يعجز عن انصاف الـ 99 في المئة المتبقين ويقيد حقوقهم. وبحسب غانم فان "الاقتطاع من أصول المصارف وثروات أصحابها، وإجراء Hair cut على الودائع الكبيرة التي استفادت من الهندسات المالية والفوائد الربوية، وانشاء مصرف تعاون union credit غير متورط بالدين العام، تحوّل اليه الاموال من الخارج وتعود ملكيته وحقوق ادارته إلى المودعين.. عوامل تشكل الحل المنطقي لانقاذ ما تبقى من حقوق للمودعين. وذلك من دون أن ننسى اهمية الاستمرار بالدفاع عن الحقوق قضائياً وبكل وسائل الضغط المشروعة في الداخل والخارج.

إنصاف أصحاب الرواتب الموطنة بالدولار، الذي يحوّل إلى حساباتهم من حسابات أصحاب العمل المحجوزة في المصارف، هو واجب أخلاقي قبل أي شيء آخر. وعلى مصرف لبنان تحمله، بدلاً من الدعم العشوائي الذي يضيع أكثر من نصفه بالسرقة والترهيب.

فمع ارتفاع نسبة البطالة إلى معدلات قياسية ووصول نسبة الفقر إلى أكثر من 55 في المئة من الشعب اللبناني، أصبح لكل عائلة راتب واحد تعتاش به بعد ان كان اثنين او ثلاثة. فهل من صاحب ضمير يمكن ان يقتطع مما تبقى من هذا الراتب؟