مروان الشدياق

بالفيديو - نغمات "مكتب التحرير"... هل ينساها اللبنانيون؟




في زحمة الحياة اليومية، وبين وجع حاضر لا ينتهي، تحلّ الذكرى الخمسون لـ13 نيسان، ذلك التاريخ الذي انطبع في وجدان اللبنانيين بانطلاقة حرب أهلية لا تزال شظاياها متفرّقة في زوايا الذاكرة.


5 عقود مرّت على الحرب، لكن آثارها ما زالت تنبض في الوجدان، وتعود كل عام لتطرح السؤال نفسه: هل تجاوز اللبنانيون ماضيهم؟ وهل تندمل الجراح بالفعل؟


ولعلّ أكثر ما يوقظ تلك الذاكرة الجريحة ليس الصور أو الحكايات، بل… الأصوات. نعم، النغمات، شارات نشرات الأخبار والموجزات الإخبارية للإذاعات اللبنانية التي كانت بالنسبة للبنانيين حينها الوسيلة شبه الوحيدة لمتابعة أخبار القصف والموت المتنقّل.


في هذا الإطار، قامت "نداء الوطن" بخطوة مختلفة: لم ننزل إلى الشارع لنسأل الناس، بل لنُسمِعهم ولنراقب ردود أفعالهم. حملنا معنا مجموعة من أشهر الشارات الإذاعية التي رافقت اللبنانيين في أحلك أيام الحرب، وبدأنا تشغيلها أمام المارة، في الأسواق، على الأرصفة، وفي المقاهي.


ردود الفعل كانت مفاجئة، صادمة أحياناً، ومضحكة في أحيانٍ أخرى، البعض قبل تصويرها والبعض الآخر رفض مكتفياً بتدوين ما حصل لنقلها في هذه السطور.


أحد الرجال، ما إن شغّلنا النغمة صرخ قائلاً: "كنت إسمعها وأعرف إنه الليلة ما رح ننام… كنا نركض عالملجأ قبل ما توصل القذيفة".


سيدة خمسينية قالت وهي تضع يدها على قلبها: "هيدي الدّقة بالذات كانت تنذرنا إنو المصيبة قرّّبِت… قلبي بعدو بينقبض بس إسمعها".


وأكثر ما لفت انتباهنا هو شاب كان يمرّ على الرصيف أثناء استماع أحد الأشخاص لواحدة من النغمات الإذاعية، فضحك رغم قساوة الذكرى، وقال: "غريب بلبنان كيف حتى الشارات صار فيها شي من العادة!" وأكمل طريقه.


البعض رفض حتى الاستماع. أداروا وجوههم وابتعدوا بهدوء، كمن يهرب من شبح قديم. "ما بدّي إسمع شي، خلوني ناسي"، قال أحدهم، وابتعد.


هكذا هي الذاكرة اللبنانية: موزّعة بين مَن يريد النسيان، ومن لا يستطيع، وبين مَن لا يملك إلا التذكّر.


لكن الأكيد أن الأصوات، كما الصور، قادرة أن تُعيدنا في لحظة إلى تلك الأزمنة المظلمة، إلى الملاجئ، إلى لحظات الخوف، وإلى وطنٍ كان يبحث عن نفسه بين القذائف والصواريخ.


في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، لا نكتب فقط لنتذكّر. بل لنفهم. لنواجه الحقيقة كما هي، عارية من كل تبرير.


علّ الاستماع إلى ما كان يُخيفنا، يكون الخطوة الأولى في مواجهة الماضي، وبناء مستقبل لا تُذاع فيه الشارات إلا لأخبار الفرح.