المصادفة في الكلام على جدول زمني لتسليم سلاح "حزب اللّه" خير من ميعاد ذكرى الخمسين سنة على اندلاع الحرب. هل نحن في الفصل الأخير من حروبنا التي لم تهدأ منذ استقلال 1943؟ لقد خاضت كل الأطراف الداخلية وكل الدول الخارجية تجاربها ومشاريعها، وكان آخر هذه المشاريع المشروع الإيراني بفصيله اللبناني "حزب اللّه".
إذا انتهينا على خير ولم يطح "حزب اللّه" بالاتفاقات، يكون تاريخ تسليم آخر صاروخ، التاريخ الحقيقي لنهاية "حروب بيننا وعلينا" كما وصفناها في "نداء الوطن" السبت المنصرم. ما لا شك فيه أن نشأة دولة إسرائيل عام 1948 كانت السبب المعلن لكل الأطراف الخارجية والداخلية التي أرادت تهديم التجربة اللبنانية التي تمثلت بدستورَي عام 1948 و 1990.
ولكن المسألة اللبنانية وتعقيداتها كانت ملتهبة حتى قبل قيام إسرائيل. إسرائيل باقية على حدودنا فهل من مغامرين داخليين أو خارجيين يعيدوننا إلى الدولة المستحيلة؟ الصراع سيستمر، فهل سيبقى على خيارات سياسية واقتصادية واجتماعية منزهة عن الاستقواء بأطراف خارجية؟ هل اكتسبنا مناعة وقناعة بأن نغلق الأبواب على أنفسنا ولا نشرعها لوسيط سرعان ما يتحوّل إلى مهيمن ومحتل؟
هذه الأسئلة مشروعة بعد أكثر من مئة عام على "لبنان الكبير" الذي كان يتقلّص في محطات وكاد يضيع في محطات أخرى. إن أي عودة إلى لعبة الاستقواء بخارج ما في المستقبل ستقضي على احتمالات البحث عن حلول تسووية وتوافقية كما هي الحال في السنوات المئة الأخيرة. من "صيغة 43" إلى "صيغة الطائف" الحلول قامت على إعادة توزيع السلطة بين الطوائف.
الأرجحية التي كانت للمسيحيين قبل الاستقلال وبعده تحوّلت أرجحية للمسلمين بعد دستور الطائف. ولكن لا يجب النسيان بأن أرجحية المسيحيين في السلطة كانت منقوصة دائماً بفعل التدخل الفلسطيني المسلّح المباشر. ثم شاب الأرجحيةَ الإسلاميةَ العطبُ نفسه بفعل الاحتلال السوري عبر نظام آل الأسد والهيمنة الإيرانية عبر "حزب اللّه".
هذه الشروخ في بنية الدولة كانت ترتُقُها انتفاضات اللبنانيين على من استعانوا بهم أحياناً من الخارج. وهذا التخلي عن الخارج شكّل المدخل إلى التلاقي تحت سقف الدولة من جديد. تحدٍ يلوح في الأفق وقد يلبّد الأجواء. هل جماعة من طبيعة دينية شمولية كـ "حزب اللّه"، قادرة على القيام بمراجعة نقدية حقيقية بعيداً من "التقية"، وتالياً قادرة ببنيتها العقائدية والعسكرية أن تنخرط بشروط الممارسة الديمقراطية تحت سقف الدولة؟ الجواب على مسافة أسابيع أو أشهر قليلة، فلنراقب ونحن ننتظر.