في أروقة البيت الأبيض، حيث تتداخل السياسة باليوميات، نشبت حربٌ غير معلنة؛ حربٌ مائيةٌ بامتياز. فبينما كان الرئيس السابق باراك أوباما يقتصد في كل قطرة، ملتزماً بمعايير التقشف التي جعلت رؤوس "الدش" أشبه بنوافير صحراوية، كان الرئيس دونالد ترامب يغرق البيت الأبيض في بحرٍ من المياه، معلناً تمرده على "الدشات الضعيفة" التي لا ترضي طموحه في الاستحمام الملكي.
في أحدث فصول ملحمته مع التركيبات الصحية، أعلن ترامب عن استيائه من "الدشات الضعيفة" التي تهدد، حسب قوله، رونق الشعر الأميركي. ففي فعالية بالبيت الأبيض، لم يتردد في التعبير عن تذمره من ضغط المياه المتدني، مؤكداً أن "الشعر الجميل يتطلب الكثير من الماء". بالطبع، لم يكتف الرئيس بالتعبير عن قلقه الشخصي، بل أعلن عن مهمة نبيلة لتخليص الأمة من هذه المعاناة، كاشفاً عن جهود "إدارة الغذاء والدواء" لتغيير القواعد التي تجرؤ على تقييد تدفق المياه. على ما يبدو وجد ترامب الذي اشتهر بتغريداته النارية، قضية جديدة تثير حماسته: الدفاع عن حق الأميركيين في الاستحمام بوفرة. فبعد سنوات من القلق بشأن المراحيض التي تحتاج إلى عدة سيفونات (في عام 2019)، انتقل الآن إلى الدش، ليثبت أن اهتمامه بالتفاصيل المنزلية لا يعرف حدوداً.
معركة "رؤوس الدش"
ما يعتبره البعض مجرد حديث عابر، هو في الواقع أمر تنفيذي له تبعات قانونية واضحة، يأخذه ترامب على محمل الجد، ففي إطار مراجعته للمعايير البيئية التي وضعتها إدارة أوباما لترشيد استهلاك المياه، والتي تحدد الحد الأقصى لتدفق المياه في رؤوس الدش والمراحيض، أصدر ترامب أمراً تنفيذياً يهدف إلى تغيير هذه السياسات، تحت عنوان "الحفاظ على ضغط مياه مقبول في رؤوس الدش"، واستهدف ما وصفه بـ "المبالغة في التنظيم"، مشيراً إلى تعريف إدارة بايدن لرأس الدش بموجب برنامج الحفاظ على الطاقة للمنتجات الاستهلاكية لعام 2021، والذي حدّ من تدفق المياه في رؤوس الدش.
وقد وجّه الأمر وزير الطاقة بإلغاء "اللائحة المكونة من 13000 كلمة" التي تحدد تعريف "رأس الدش"، واستبدالها بتعريف يعود إلى قانون صدر عام 1992، والذي يحدد معيار رأس الدش عند "2.5 غالون في الدقيقة". وأوضحت الإدارة الأميركية أن هذا الإجراء يهدف إلى "إنهاء حرب أوباما وبايدن على ضغط المياه، وإعادة رونق حمامات الاستحمام الأميركية".
رؤى متضاربة وسياسات متباينة
لا يعتبر الجدل الدائر حول معايير استهلاك المياه مجرد خلاف شخصي بين رئيسين، بل انعكاساً لتباين واضح في السياسات، وتجسيداً لتحديات بيئية ملحة. فبينما تبنت إدارة أوباما نهجاً يركز على ترشيد استهلاك المياه كجزء من استراتيجية شاملة لمواجهة تغير المناخ، اتسمت سياسات إدارة ترامب بتراخٍ ملحوظ، بل وأحياناً بمعارضة صريحة للجهود الرامية إلى الحفاظ على الموارد.
وقد سعت إدارة أوباما، من خلال فرض معايير صارمة لكفاءة استهلاك المياه في الأجهزة المنزلية، إلى تقليل البصمة المائية للولايات المتحدة، عن طريق تحديد معدلات تدفق المياه في رؤوس الدش والمراحيض، لتحقيق توازن بين تلبية احتياجات المستهلكين والحفاظ على الموارد المائية. في المقابل، أثار طلب ترامب بمراجعة هذه المعايير قلق دعاة الحفاظ على البيئة، الذين رأوا في ذلك تراجعاً عن الجهود المبذولة لترشيد استهلاك المياه. بشكل أوضح، يعكس هذا التباين في السياسات اختلافاً في الرؤى حول دور الحكومة في إدارة الموارد الطبيعية؛ فبينما ترى إدارة أوباما أن الحكومة مسؤولة عن وضع معايير لحماية البيئة، ترى إدارة ترامب أن آليات السوق الحرة هي الأنسب لتحديد هذه المعايير.
ولا يمكن إغفال أن هذا التباين في التعامل مع قضية المياه يعكس اختلافاً جوهرياً في القيم والأولويات؛ فأوباما، الذي نشأ في بيئة تقدر الحكمة والترشيد، كان ينظر إلى الحفاظ على الموارد على أنه مسؤولية جماعية، بينما يرى ترامب، رجل الأعمال الذي اعتاد على الرفاهية، أن الاستمتاع بالموارد هو حق شخصي لا يمكن التنازل عنه.
سخرية وجدل بيئي كعادتها، أثارت تصريحات ترامب جدلاً واسعاً، وانعكست جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتشرت صور ساخرة تقارن بين "دش أوباما المتقشف" و"دش ترامب المتدفق"، ورسومات كاريكاتورية تظهر أوباما يستحم بقطرات قليلة، بينما يغرق ترامب في شلالات من الماء. ووجه دعاة حماية البيئة انتقادات لاذعة، محذرين من أن زيادة تدفق المياه سيؤدي إلى استهلاك مفرط وتفاقم أزمة نقص المياه في مناطق تعاني شحاً مائياً. كما شكك خبراء في إمكانية تطبيق هذه التغييرات، مشيرين إلى أن القواعد الحالية تستند إلى قوانين فيدرالية تحمي البيئة، ما يجعل تعديلها أمراً معقداً قانونياً. في المقابل، احتفى أنصار "الدشات القوية" بترامب، معتبرين أنه خلصهم من "عذاب الدشات الضعيفة"، وأعاد لهم متعة الاستحمام الحقيقية. |